الثلاثاء، 14 أبريل 2015

مهلا أيها الطاعن في ابن تيمية


كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع!!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فإن ما نشاهده اليوم من تطاولٍ على أئمة العلم والفضل السالفين -كابن تيمية وغيره- ليدل دلالة واضحة على الحال التي عليها أولئك الطاعنون من ضعف الديانة،
وقلة البضاعة،
وسطحية الفكر،
ومحبة التصدر والظهور التي جعلت الواحد منهم يخوض في ما ليس من اختصاصه ليشتهر بين الناس!!
ولم يقف الأمر على ذلك بل تعدى إلى أن سلك هذا الصنف -من المغيبة عقولهم في مستنقع الجهل- منهج الإقصاء -لمن خالفهم- الذي رموا به غيرهم زورًا وبهتانًا، على حد قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت"،
ولسان حالهم "القول قولنا ولا عبرة بغيرنا!!"
وهذا في الحقيقة ضرب من الغلو والتطرف الفكري!!
فهم وإن ادعوا أنهم ضده فقد وقعوا فيه من حيث يشعرون أو لا يشعرون لفرط جهلهم وصغر عقولهم!!
فالغلو هو مجاوزة الحد، وهؤلاء قد تجاوزوا الحقائق التاريخية، وآثار أهل العلم المرضية، وركنوا إلى التقليد الأعمى لطعن أرباب الكذب والزور والعمى في أئمة العلم والهدى, وانحازوا لها وهذا هو التطرف!!
فكل من جعل مطيته الهوى والتقليد الأعمى بعيدًا عن البحث والتحري وبذل الوسع في ذلك وقع في هذا النوع من الطعن الجائر!!
فهذه نتيجة حتمية لمن عَدِمَ الأهلية، وربما صاحب ذلك سوء الطوية!!
ومن عجائب الزمان أن يرفع مثل هؤلاء الضائعين شعار الوسطية!!
ولكن: بدون فهم لمعناها ولا وعي لمقتضاها!!
فالوسطية في ميزانهم تعني: تطويع الدين بما يوافق الأهواء، والطعن في أهل العلم الأعلام والتنفير من دعوتهم أتدرون لماذا؟!
لأن العلماء هم الذين يكشفون زيفهم وجهلهم وخبث مسلكهم وبقية ضلالاتهم.
وتجد هؤلاء التائهين يتولون بعض المنحرفين فكريًا بل وعقديًا لأدنى موافقة لهواهم في الوقت الذي يعادون هم فيه أساطين العلم وأربابه والواقع خير برهان!!
وهم يجهلون أن الوسطية تعني العدل والتوسط في الأمور كلها بعيدًا عن الإفراط والتفريط، ولا يكون ذلك إلا بالتسليم التام للنصوص الشرعية وامتثال ما دلت عليه، وتحكيمها على العقول لا العكس!!
ومن المعلوم شرعًا وعقلًا أن من تكلم في غير فنه أغرب وجاء بما يُستغرب، ولذا قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧]
وقد أمرنا الله بالتثبت في الأخبار -لا سيما القدح- فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات : 6]
فهذه كتب ابن تيمية شاهدة على إمامته في الدين ووسطيته، وبعده عن الغلو بشتى أشكاله وأنواعه، بل كتبه طافحة بتفنيد شبه أهل الغلو في التكفير وغيرها من الانحرافات العقدية، فكم ألفت من الأسفار العظيمة في سيرته العطرة، وخرجت عشرات الرسائل الجامعية حول آثاره العلمية الغزيرة ولكن {..فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]
فنصيحتي لهؤلاء الطاعنين:
ألا يقحموا أنفسهم فيما ليس من اختصاصهم،
وألا يحاكموا الناس إلى أفهامهم المغلوطة وثقافتهم السطحية،
وألا يحملهم البغض لبعض من انحرفوا عن الصراط المستقيم -كالإخوان والسرورية وغيرهم من فرق الضلال- على أن ينسبوا كل عالم للتطرف والغلو جزافًا لأدنى شبهة!!
فإن هذا تشويه للدين وإضلال للمسلمين،
ومن يبقَ للناس إن كان كل من طُعن فيه بالباطل أُسقط بلا تثبت ولا تمحيص!!
وهل يعقل أن يكون مرجع الناس في تمييز المتطرف من غيره بعض الجهلة الأغمار ممن ليس لهم في العلم قدم ولا ساق؟!
إن هذا المسلك هو مسلك الليبرالية وأشياعهم من الصوفية في الاصطياد في الماء العكر، وتشويه صورة أهل العلم الراسخين، فالحذر الحذر من الانخراط معهم في هذا المسلك المعتم الذي يبغِّض الناس في دينها،
وأنا لا أشك أن بعض هؤلاء الطاعنين مغرر بهم من قبل من تقدم ذكرهم حتى صاروا كالمطايا عندهم تحملهم حيث أرادوا بلا وعي منهم ولا إدراك لغياب عقولهم وهذه حقيقة مُرة!!
"فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!!"
فمهلا أيها الطاعن في ابن تيمية فلن تضر إلا نفسك!!
فأهل العلم حقهم علينا التوقير والتبجيل، والدعاء لهم في ظهر الغيب، والذب عن أعراضهم، وعدم الغلو فيهم مدحًا أو قدحًا والتوسط والعدل في ذلك، فهم صمام أمان الشّعوب إذا اشتدت الخطوب، وهم منارات الهدى ومصابيح الدجى وورثة الأنبياء فجزاهم الله خير الجزاء وقطع دابر من عاداهم من أهل العمى..
قال أبو البقاء السبكي لمن ذكر كلامًا عن ابن تيمية: "والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به"
وأختم بأبيات للزملكاوي وكان ممن ناظر ابن تيمية عدة مرات ولكنه أقر بفضله وأنصفه فقال:
هو حجة لله باهرة *** هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخلق ظاهرة *** أنوارها أربت على الفجر
وختما أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يرد كيد الظالمين وأن يحفظ بلاد المسلمين من شر المبطلين والحمدلله رب العالمين.

كتبه / حمد بن دلموج السويدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق