الثلاثاء، 7 يوليو 2015

مختصر أحكام الاعتكاف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذه خلاصة معتصرة من كلام أهل العلم في أحكام الاعتكاف أسأل الله أن ينفع بها:
١- الاعتكاف: لغة ملازمة الشيء، كما في قوله تعالى: { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ } أي يلازمونها.
٢- واصطلاحا: لزوم مسجد لطاعة الله.
- وهذا الـ (لزوم) على على وجه التعبد والتقرب إلى الله.
- قولنا (مسجد) خرج به غيره كمصليات البيوت والمصليات التي تكون في الدوائر الخدمية ونحوها فليس لها حكم المساجد.
- (لطاعة الله) هذه هي الغاية من الاعتكاف، والمقصود بالطاعة هنا هي الطاعات الخاصة مثل: الصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، والذكر ونحوها.
٣- وأقل مدة للاعتكاف هي يوم وليلة على الصحيح كما هو مستفاد من قصة نذر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ولم يعهد عن النبي ﷺ والصحابة أقل من ذلك.
٤- وحكم الاعتكاف سنة بالإجماع، والدليل قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر" [متفق عليه] وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكف أصحابه وزوجاته من بعده.
٥- ويصح من الذكر وكذا من الأنثى إن أمنت الفتنة.
٦- ويصح الاعتكاف في كل مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس وأفضله في المساجد الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" [رواه البيهقي ٨٥٧٤].
٧- والسنة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان لحديث أبي سعيد الخدري: اعتكف الرسول صلى الله عليه وسلم في العشر الأول، ثم الأوسط، ثم قيل له: إن ليلة القدر في العشر الأواخر" [رواه البخاري :٦٦٩].
٨- وليس من السنة أن يعتكف في غير العشر الأواخر من رمضان وما ثبت عنه عليه السلام من أنه اعتكف في شوال إنما كان ذلك قضاء؛ لأنه ترك الاعتكاف في رمضان تلك السنة.
٩- ولا يشترط للاعتكاف الصوم؛ لأن كلا من الصوم والاعتكاف عبادة مستقلة فلو أراد المفطر بمرض مثلا أن يعتكف صح منه ذلك.
١٠- وليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا لما لابد له منه كقضاء الحاجة، وجلب الطعام، والاغتسال ونحوه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف، يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» [رواه مسلم ].
١١- وليس له أن يخرج ليشهد جنازة أو يعود مريضًا لقول عائشة رضي الله عنها: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله [أي: أسرحه]، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفا» [رواه مسلم: ٢٩٧].
تنبيه: ذهب بعض أهل العلم جواز عيادة المريض وشهود الجنائز إذا اشترطه المعتكف عند دخوله معتكفه قياسًا على حديث ضباعة بنت الزبير لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم "حجي واشترطي".
١٢- ويبطل الاعتكاف بالخروج لغير حاجة كالذهاب للأسواق والتنزه ونحوه لما تقدم من الأحاديث؛ ولأنه ينافي معنى الاعتكاف.
١٣- وكذا يبطل بالجماع لنهي الله عز وجل عن المباشرة حال الاعتكاف كما في قوله:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع.
١٤- ولا حرج من زيارة المرأة لزوجها المعتكف والحديث معه؛ لأن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزوره وتتحدث معه وهو معتكف ثم تنصرف.

وختاما أسأل الله أن ينفع بهذه الخلاصة وأن يجعلها خالصة لوجهه.
✍ بقلم/
حمد بن دلموج السويدي

الاثنين، 6 يوليو 2015

على رسلك يا وسيم..


الحمد لله معز من أطاعه، مذل من عصاه، {مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ  بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26)،
وأصلي وأسلم على النبي المصطفى الهادي المجتبى القائل وقوله الهدى: "وجعل الذل والصغار على من خالف أمري" [صحيح الجامع: 2831]،
فلا رافع إلا الله..
ولا خافض إلا الله..
ومن ابتغى العزة بمخالفة طريق رسول الله أذله الله..
أما بعد؛؛
فعلى رسلك يا وسيم..
فقد حيرت في وصفك الحليم..
كل يوم تأتي لنا بطامة هي أكبر من أختها التي قبلها..
لبست ثوبًا أكبر من ثوبك، وخضت بحرًا يغرق فيه من هو مثلك،
فحالك اليوم كمن أراد علاج زكامٍ فأحدث في الأمة الجذام..!!
لقد ساويت بين الظلمات والنور حين حشرت اتباع (الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة)=السلفية مع الصوفية الخرافية والشيعة الإمامية بقولك: كلكم يسقط أمام أمن الوطن!!
وأنت تعلم علم اليقين أنه لا أحد يقرر مسائل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور، والحفاظ على الأمن والممتلكات والدور، وتعظيم حرمة الدماء على مراد الله ورسوله إلا السلفية..
فلم التشغيب؟!
ولصالح من هذا التخبيط؟!
إن كان بينك وبين بعض من ينتمي لمنهج السلف خصومة فحلها بينكم، ولا تستغل الإعلام في الانتصار لنفسك والتلبيس على غيرك!!
أتُنكر جهود السلفيين في التحذير من دعاة الحزبية والمناهج المنحرفة الدموية قبل أن تتشجع أنت وأمثالك من الإعلاميين وتنبري لذلك!!
فإن نسيتُ فلن أنسَ تلك العلاقات الحميمة التي تجمعك ببعض الحزبيين مثل العريفي وغيره في الوقت الذي حذر منه السلفيون، بل لا زلت أذكر تمامًا تحذيرهم منه حينما ظهرت أول أشرطته!
فأين كنت ذلك الوقت؟!
أكنت من حزبهم ثم تبت؟!
أم كنت تجهل حالهم فتنبهت؟!
فإن كانت الأولى: فيلزمك التبرؤ منهم صراحة امتثالاً لقول الحق سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:160)،
وإن كانت الأخرى: فالزم العلماء الراسخين، واثنِ الركب عندهم ليبصروك بمناهج المخالفين، ولا تتقدمنَّ بين يديهم وتزاحمهم برأيك فإني لك من الناصحين..
وقد قال العلماء: إذا أقبلت الفتنة علمها كل عالم، وإذا أدبرت علمها كل جاهل..!!
وهنا يظهر الفرق بين العالم والمتعالم..!!
فلما وقعت فتنة الإخوان، وعرفها الخاص والعام، وقاربت على الانجلاء خرجت تحذر منهم..!!
والآن تأتي وتقول: تعبنا من التصنيف: سلفي..صوفي..شيعي.. أشعري..نحن كلنا مسلمون!!
فأقول: هل يستوي من يستغيث بالله وحده بمن يستغيث بالبدوي أو الحسين؟!!
وهل سمعت قط أن دين الله يساوي بين التوحيد والشرك؟
إن كنت تعارض هذا التصنيف من أصله فما الذي جعلك تستثني داعشًا والإخوان وتصنفهم بهذه الألقاب؟!
لأنه يلزم من كلامك في الحلقة أن لا تصنِّف أحدًا ما دام أنه داخل في قول الله عز وجل: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}؟!
فإما أن تخرج الطائفتين من دائرة الإسلام حتى يستقيم لك ما تريد تقريره في حلقتك أو تُقرَّ بأن كلامك كان خطأ، ومتناقضًا، وأن التصنيف منه ما هو حق، ومنه ما هو باطل، فلا يذم كله، ولا يمدح كله، فهلَّا تنبهت؟!
زد على ذلك أنك صرحت باستحياء ذم تصنيف الإخوان المفلسين..لما قلت: "..انظر كيف الأحزاب أو إن صلح التعبير الانتماء إلى الجماعات..سلفي..صوفي..إخونجي" في الدقيقة:[ ٠٧:١٥]
وأنت تعلم أن دولتنا الفتيَّة تجرِّم هذا التنظيم وقد ضمته إلى قائمة الإرهاب، ثم تأتي أنت وتقول: لا نريد تصنيف..هو سماكم المسلمين!!
ولا يشك عاقل بوجوب تمييز الحق من الباطل، ووجوب تجليته للناس من قبل أهل العلم، نصيحة لله، فإن الدين النصيحة!
"وقد قضى الله كونًا أن يقع في الأمة اختلاف ليميز الله الخبيث من الطيب، وهو واقع لا محالة لخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "... تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ..." [صحيح الجامع: 5342], وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على الميزان الشرعي الذي توزن به الأقوال والأعمال لضمان موافقتها للطائفة الناجية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا عليه وأصحابي " [صحيح الجامع: 5342].
فمن وزن أقواله وأعماله بهذا الميزان وضبطها به؛ لَحِقَ بالطائفة التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرينَ علَى الحقِّ، لا يضرُّهم مَن خذلَهُم، حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ" [رواه مسلم:١٩٢٠]"
وهذا هو معنى السلفية: فالسلفية معناها اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح..فهل يحق لك يا وسيم بعد ذلك أن تقول للناس دعونا من السلفية؟! بل وتضمها مع الشيعة والصوفية؟!
وقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسودُّ وجوه أهل البدعة والفرقة" [تفسير ابن كثير 2/92].
ثم تكتب في تويتر مستعطفًا ومدغدغًا لمشاعر الناس:
"أنا سلفي
وهو صوفي
وذاك شيعي
وهذا صوفي
بالله أخبروني فمن المسلم!!"
فأنا أخبرك من هو المسلم: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم,
وأما التخليط والتلبيس الذي بت تمارسه على الشاشات فليس من دين الله في شيء، بل هو محض الانتصار للنفس، وهو دليل ضعف البضاعة، وإلا كيف يليق بك وأنت تدعي العلم أن تقول:"نحن أتينا للقشور (إعفاء اللحية وتقصير الثياب) وتركنا الأصل (القلب)!!" وهذه المقولة مشتهرة عن دعاة الحزبية، وهي باطلة؛ فالإسلام ليس فيه لب وقشور، وقد تكلَّم العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بكلام علمي رصين عن هذه المسألة في شريط بعنوان: "لا قشور في الإسلام" وهو متوفر على الشبكة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أعفوا اللحى.."
وأنت تقول: لا نريد إسلامًا باللحى!!
ويقول: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه ما بينه وبين الكعبين.."
وتقول: لا نريد إسلامًا بتقصير الثياب!!
أهكذا تعظَّم سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
وكان المفترض أن تقول: نريد أن يصلح الناس بواطنهم كما يسعون لصلاح ظواهرهم.
ولا أخفيك أنني تعجبت كثيرًا من قولك: "هاجموني حينما حذرت من داعش وأن بعض الدعاة رفض مناصرتك ولو بكلمة!!،
وأنا لن أناقشك عن حقيقة ذلك الهجوم، ولا عن ذلكم الداعية المزعوم!
ولكني أعجب منك! كيف شككت بعد الحلقة في نفسك هل أنت على صواب أم خطا وجلست تبكي؟! كما صرحت بذلك!!
والمفترض أن يكون الحامل لك على التحذير من الدواعش هي العقيدة الراسخة لا مجرد العاطفة أو مجاراة للأمور الواقعة!!
وأعجب مما سبق قولك: أن داعشًا لم تخرج إلا بسبب الخلافات التي بيننا ووو..
وأنا أقول لك مستفهمًا: الذي يقول: لا تصنفوا الناس..هو سماكم المسلمين..ويرفض تمييز الطوائف الضالة من غيرها ألا يعد سببًا من أسباب ظهور داعش؟!
تحتاج أن تتأملها طويلاً..
واعلم يا وسيم أن كل هذه الطوائف التي خالفت الحق -والتي ترفض أنت تمييزها- كلها ترى حمل السيف على أمة محمد كما ذكر العلماء رحمهم الله..
قال البربهاري رحمه الله: "واعلم أن الأهواء كلها ردية، تدعو كلها إلى السيف"
هذه بعض الملاحظات على حلقتك, ولو أردت نقدها كلها لطال بيَّ المقام ولكن حسبي ما ذكرت..
فارجع لرشدك  يا وسيم, واعرف قدر علمك!!
فلا زلت في بداية الطريق ولا تغرَّنك الشهرة فتهلك!!
بقلم/ حمد بن دلموج السويدي
20/رمضان/1436هـ

07/يوليو / 2015م