الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

كلمة موجزة في أحداث مصر الحبيبة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أما بعد:
اللهم اجرنا في مصيبتنا بمصر واخلف لنا خيرًا منها.
إن القلوب لتتفطر أسفًا لما آل إليه حال مصر الحبيبة من ضياع للأمن، وسفك للدماء، وما ذاك إلا ضريبة مخالفة الهدى واتباع دعاة الضلال.
ولا سبيل للخلاص من هذه المحنة إلا اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة، وهو الإعتزال في البيوت وكف اللسان!!
روى أبو داود في سننه (٤٣٤٣) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: بينما نحن حول رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذ ذكر الفتنة،
فقال: " إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم،
وخفت أماناتهم وكانوا هكذا. وشبك بين أصابعه،
قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك! جعلني الله فداك؟
قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة"
هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن فأين دعاة الإخوان المسلمون وعقلاؤهم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟!
لم نرَ منهم إلا التهييج والتطبيل لهذه الفتنة العوجاء حتى بلغ بهم حب السلطة إلى أن غروا ضعفة المسلمين واجلسوهم حبساء تلك الميادين في اعتصامات عمية، ومسيرات دخيلة غربية، بدعوى المطالبة بالشرعية!!
وما هي إلا مطامع شخصية وأهواء مكشوفة الطوية!!
والعجب كل العجب ممن أفتى منهم بوجوب الاعتصام وأنه أفضل حتى من الإعتكاف في المسجد الحرام!!
بل أعجب العجب أن تصور القضية الآن بأنها حرب بين الإسلام والكفر أو النفاق، وأن من يقتل هناك فهو شهيد عندهم بالاتفاق!!
فالمعتكف في تلك الميادين هو المسلم الحقيقي المجاهد!!
ومن جلس في بيته والتزم هدي نبيه -باعتزال الفتنة- صار كافرًا أو منافقًا هكذا بلا حد!!
قلبٌ للحقائق الواضحة، وإزهاق لأرواح أناس غافلة هكذا هم الإخوان المسلمون!!
الغاية عندهم تبرر الوسلية!!
ولو كلفهم ذلك إزهاق أرواح بريئة!!
ألا فاتقوا الله يا دعاة الإخوان في دماء المسلمين!!
وتوبوا إلى ربكم؛ فحرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة نفسها!!
قال صلى الله عليه وسلم: " لَزوالُ الدُّنيا أَهْوَنُ على اللَّهِ مِن قتلِ مؤمنٍ بغيرِ حقٍّ " رواه ابن ماجة(٢١٨٣).
واعلموا أن الخروج على مرسي من جنس الخروج على حسني، فكلاهما محرم في شرعة الإسلام، فالحاكم المسلم لا يجوز الخروج عليه بحال مهما بلغ ظلمه، والنصوص قد تظافرت بذلك، فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الفتن (٦٦٥٤): عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: " دعانا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمعِ والطاعةِ، في منشطِنا ومكرهِنا،
وعسرِنا ويسرِنا
وأثرةٍ علينا،
وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه، إلا أن تروا كُفرًا بَواحًا، عندكم من اللهِ فيه برهانٌ "
فالنصوص واضحة جلية، ومواقف أهل الحق منها سوية، فلذلك لم تختلف كلمة أهل الحق في كلا الثورتين، فما قالوه أيام حسني قالوه أيام مرسي، وأما دعاة الباطل فكالوا بمكيالين فاختلفت كلمتهم في الموقفين، فجوزوا الخروج على حسني وحرموه على مرسي!!
والحق أبلج والباطل لجلج، فمن أراد السلامة فليزم الحق الذي دلت عليه النصوص الصحيحة، وليدع أصحاب الهوى، فإن غاية ما عندهم -في تجويز الخروج على الحكام الظلمة- وقائع تاريخية قد ندم أصحابها وتمنوا أن لم يخوضوا فيها، فهي حقيقة بأن يتعظ بما وقع فيها من سفك للدماء! لا أن يستدل بها، ولذلك وقع الإجماع على حرمة الخروج على الحكام الظلمة مهما بلغ ظلمهم وجورهم؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عليهم، ولما في الخروج عليهم من المفاسد العظيمة من سفك للدماء،
وضياع للأمن،
وتعطيل لمصالح المسلمين الدينية والدنيوية،
والواقع خير برهان على ذلك، ولا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

والواجب الآن على أهل مصر الحبيبة السمع والطاعة لمن تأمَّر عليهم، فهو في حكم المتغلب، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال الإجماع على ذلك في الفتح ( ٧ / ١٣) فقال: "...وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء...ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها..."

وختامًا أقول سعيكم لإصلاح الناس-إن كنتم تريدون إصلاحًا- ليس مشروطًا بأن تكونوا في سدة الحكم!!
فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حاكمًا على قومه لما بعثه الله عز وجل بالرسالة، وأذكركم بمقولة أحد قاداتكم لعلكم تنتفعون بها" أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم "
وخير منها قول ربنا ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.
وصلى الله على نبينا محمد والحمدلله رب العالمين.

✍️️كتبه أخوكم/
حمد بن دلموج السويدي