الجمعة، 24 يناير 2014

مقدمة مهمة في بيان التوحيد


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد:
فالتوحيد لغةً: جعل الشيء واحدًا, فلما تقول وحِّد الكلمة, أي أجعلها واحدة.
وفي الإصطلاح: إفراد الله تعالى بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
والتوحيد قسمان:
1- توحيد إثبات ومعرفة.
2- توحيد طلب وقصد.
·      فأما توحيد الإثبات والمعرفة فيشمل نوعين:
1- توحيد الربوبية: وهو إفراد الله تعالى بأفعاله, من الخلق والرزق والتدبير.
2- توحيد الأسماء والصفات: إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه من الأسماء والصفات من غير تكييف ولا تمثيل, ومن غير تحريف ولا تعطيل.
·      وأما توحيد الطلب والقصد فهو قسم واحد:
1- توحيد الله بالألوهية: هو إفراد الله تعالى بأفعال المكلفين.
وقد جاءت هذه الأقسام الثلاثة مجتمعةً في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم: 65]
والتوحيد محصورٌ في هذه الأقسام الثلاثة؛ والدليل هو التتبع والاستقراء التام لنصوص الشرع, وهو ما قرره العلماء سلفًا وخلفًا في كتبهم([1]), فلا التفات لمن أنكر هذه القسمة وجعلها تثليًا ليمشي باطله على الناس!!
وسقوط قوله يغني عن إسقاطه.
تنبيه: ليس هناك فرق بين من يقسم التوحيد إلى قسمين (معرفة وإثبات, وطلب وقصد) وبين من يقسمه إلى ثلاثة (الربوبية, والألوهية, والأسماء والصفات) فمدلولهما واحد.
فصل في بيان أقسام التوحيد الثلاثة
§ توحيد الربوبية §
·      الربوبية: مشتقة من «الرب» وهو اسم من أسماء الله تعالى ومعناه: المالك والمتصرِّف والمدبِّر والسِّيد والمربي([2]), ولا يطلق الرب لغير الله إلا مع الإضافة, فيقال: رب البيت أي: مالكه وهكذا.
·      تعريف توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بأفعاله مثل: الخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة...وغيرها.
فتوحيد الله بالربوبية هو أن تؤمن بوجود الله تعالى وأنه وحده الخالق والمالك والرازق والمدبر لهذا الكون فلا خالق إلا الله {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}  [الأعراف:54]
ولا رازق إلا الله ولا محيي ولا مميت ولا مدبر سواه {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}  [يونس:31,32]
وهذا القسم من التوحيد أقر به المشركون الأوائل كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت:61]
بل لا يُعرف أحدٌ أنكر هذا القسم من التوحيد إلا ما جاء عن فرعون على سبيل التكبر والتجبر وإلا فهو مقرٌ به في قرارة نفسه كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُم ْظُلْمًا وَعُلُوًّا}
{وَجَحَدُوا بِهَا}أي: في الظاهر{وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} في الباطن, والسبب هو:{ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:14].
والملاحدة داخلون في هذه الآية؛ لأن إنكارهم إنما هو في الظاهرفقط.
والعقل يدل على ربوبية الله عز وجل؛ فكل فعل لابد له من فاعل وكل مخلوق موجود لابد له من موجد, فهل يعقل أن السماوات وما فيها من زينة ورفعها بدون عمد, والأرض وما فيها من خيرات, وتعاقب الليل والنهار بانتظام بديع, وإن شئت فانظر إلى تركيبة جسمك, وانتظام دقات قلبك, فهل يعقل أن هذا كله وغيره كثير وجد صدفة من غير موجد؟!
أو أن المخلوقات هي التي خلقت نفسها؟!
هذا والله لا يقبله عقل بل لا يقول به عاقل, فكل هذه آيات دالة على وجود خالق عظيم وهو الله تعالى.
وفي كل شيء له آية  ***  تدل على أنه واحد
سُئِلَ أعرابي:بم عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، ألا تدل على اللطيف الخبير.
ومن الأدلة العقلية التي ساقها المولى عز وجل في كتابه قوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35]
فهذه الآية تحتمل عدة احتمالات:
الأول: أن الخلق خُلِقوا من غير خالق (صدفة), وهذا القول باطلٌ عقلاً؛ لأن كل فعل لابد له من فاعل فلا يتصور وجود بيتٍ من دون باني.
الثاني: أن الخلق هم الذين خلقوا أنفسهم, وهذا أيضاً باطلٌ؛ لأن أصل الخلق العدم والعدم لايمكن أن يخلق شيئًا.
الثالث: أن للخلق خالقاً وهو الله تعالى, ومن شك في هذا فهو أكفر من أبي جهل.

§ توحيد الأسماء والصفات §
·      تعريفه: إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل.
·      ومعناه: الإيمان بما وصف وسمى الله تعالى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير تحريف لألفاظها أو معانيها ولا تعطيل لما دلت عليه ولا تكييفها بكيفية معينة ولا تمثيلها بصفات المخلوقين.
ونفصّل القول في هذه الأربع (التحريف, التعطيل, التكييف, التمثيل) فنقول:
* التحريف: هو تغيير معنى النص أو لفظه.
مثال: أهل السنة والجماعة مجمعون على أن معنى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أي: أنه مستو على عرشه بائن من خلقه, ومعنى {اسْتَوَى} أي: علا وارتفع علوا يليق بجلاله لا كعلو المخلوقين.
أما الأشاعرة فيفسرون الاستواء: بالاستيلاء!!
وهذا لاشك أنه تحريف لمعنى الآية بدليل:
أولاً: لو فتشت في معاجم اللغة العربية القديمة-قبل تغير اللسان العربي- عن معنى استوى فلن تجد أن معناها استولى البتة خلافًا للمتأخرين الذين أقحموها في معاجمهم بما يوافق معتقدهم كصاحب مختار الصحاح.
ثانيًا: لو سلمنا أن معنى استوى هو استولى لكنا نقر بوجود منازع لله تعالى في ملكه!!
وليس لله تبارك وتعالى منازع في ملكة فما حاجة الإستيلاء إذا دام أنه ملكه وحده؟!
ثالثاً: الاستيلاء معناه السيطرة والله عز وجل مهيمن على جميع خلقه فلماذا خص العرش بالسيطرة والهيمنة فقط؟!
وبهذا يتبين بطلان قول الأشاعرة في الاستواء وأنه تحريف للمعنى.
* التعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء أو الصفات , سواء كان الإنكار كليًا أو جزئيًا, هذا كله يسمى تعطيلا.
فالجهمية لا يثبتون لله تعالى ذاتًا ولا اسماً ولا صفةً هكذا يقول غلاتهم, وأما المعتزلة فقد أثبتوا الاسماء ونفوا الصفات.
وأما الأشاعرة فيثبتون لله سبع صفات ويسمونها صفات المعاني وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام ويأولون بقية الصفات.
وهذه الطوائف وغيرها ممن انحرف في باب أسماء الله وصفاته زعموا أنهم ينزهون الله عن مشابهة المخلوقات بهذا الفعل؛ وأن إثبات شيء من الصفات يستلزم المشابهة بين الخالق والمخلوق!!
وهم ما وصلوا إلى التعطيل إلا أنهم شبهوا الخالق بصفات المخلوقين أولا  فلما لم تتحمل عقولهم الفاسدة ذلك فروا إلى التعطيل وسموه تنزيها للرب تعالى الله عن ذلك!!
وقد ضلوا ووصفوا الخالق جل وعلا بصفات النقص والعيب بصنيعهم هذا, والعجب أنهم يقولون: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم!!
كيف يكون مذهبهم أعلم وهم ما جائهم العلم إلا من طريق السلف؟!
* التكييف: ذكر كيفية الصفة بدون تقييدها بمماثل.
مثال: إذا قال لك شخص صف لي بيتك؟
فتقول: شكله كذا وحجمة كذا ولونه كذا فهذا تكييف.
* التمثيل: هو ذكر كيفية الصفة مقيدةً بمماثل.
مثال: تقول قلم زيد مثل قلم عمرو, أي أن القلمين متشابهين في جميع الصفات من طول ولون...الخ.
ولا يجوز تكييف صفات الله ولا تمثيلها؛ لأن الله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]  فنفى سبحانه أن يماثله شيء وأثبت لنفسه السمع والبصر, فهذه الآية فيها رد على من أنكر الصفات وعلى من قال بأن إثباتها يلزم منه مماثلتها لصفات المخلوقين, وهذا لا شك في بطلانه؛ لأن المخلوقين أنفسهم يتفاوتون في صفاتهم, فمن باب أولى أن تتفاوت الصفات بين الخالق والمخلوق وإن كان هناك اشتراك فهو في أصل الصفة فقط أما بعد الإضافة فلا.
فمثلاً صفة السمع: معناها إدراك الأصوات, وهذا القدر يشترك فيه كل من وُصِفَ بأنه يسمع, وأما بعد الإضافة فكلٌ بحسبه, فالسمع المضاف إلى المخلوق خاص به والسمع المضاف إلى الخالق خاص به على ما يليق بجلاله وكماله,
وسمع المخلوقات نفسها ليس على صفة واحدة, بل بينها تفاوتٌ كبير, فسمع الإنسان ليس كسمع النملة أوالبعوضة, فإذا كان هذا التفاوت واقعاً بين المخلوقات مع بعضها البعض, فبين الخالق والمخلوق أولى.
والإنسان عاجزٌ عن تصوّر نفسه التي بين جنبيه وهي ملاصقة له فكيف, له أن يتجرأ ويصف المولى العظيم جل جلاله وتقدست أسماؤه بدون مستند؟!
بل لو قلت لمن توهم التشبيه صف لي شكل الريح أو الملائكه أولي الثلاثة أجنحة لعجز عن وصفها ولقال الله أعلم!!
فكيف يتجرأ على وصف خالقها جل وعلا بمحض العقل؟!!
ولذلك لما سُئِلَ الإمام مالك رحمه الله عن كيفية استواء الله تعالى على عرشه, قال بعد أن نكّس رأسه وتفصد عرقاً من هول هذا السؤال: الاستواء غير مجهول (أي من حيث اللغة ومعنى الاستواء العلو والارتفاع) والكيف غير معقول (الكيفية لا يمكن أن يعقلها البشر؛ لأن الله تعالى ليس له شبيه فيقاس به, ولم يره بشر قط حتى يصفه فلا نخوض فيها بعقولنا) والإيمان به واجب (لأن الله أخبر به عن نفسه فوجب تصديقه) والسؤال عنه بدعه (لأن الصحابة رضوان الله عليهم ما سألوا مثل هذا السؤال,وهم أحرص منا على العلم).
وعُلِمَ مما سبق بطلان هذه الأربعة, وأن مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات هو إجراؤها على ظاهرها وإثبات حقيقتها لله على الوجه اللائق به, وذلك لأمرين:
1- أن صرفها عن ظاهرها مخالف لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
2- أن صرفها إلى المجاز قولٌ على الله بلا علم وهو حرام([3]).

§ توحيد الألوهية (العبادة) §
·      تعريفه: هو إفراد الله تعالى بالعبادة, أو إفراد الله بأفعال المكلفين.
·      ومعناه: نفي استحقاق العبادة لغير الله, وإثباتها له وحده دونما سواه, قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} أي المعبود الحق {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} أي: يعبدون من دونه {هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62]
فكل من عُبِدَ من دون الله فعبادته باطلة شرعاً وعقلاً.
أما شرعاً فقد تقدم, وأما عقلاً فإن الخالق هو المستحق للعبادة قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17]  وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} كأن سائلا سأل لماذا نعبده؟ فجاء الجواب بـــــ {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:"ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار، وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره"([4]).
قال تعالى مبيناً حقيقة المعبودات من دونه: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:40]
ولابد من معرفة حدّ العبادة وما الذي يدخل فيها وما الذي لا يدخل فيها؛ لأنه بثبوت كون فعل معين عبادة يصير صرفه لغير الله شركًا.
العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة([5]).
والدليل على أن كل ما يحبه الله عبادة قوله عليه الصلاة والسلام فيما يروه عن ربه عز وجل:"...وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبه.."([6]).
وطريقة معرفة كون فعل معين عبادة هي:
1- أن يأمر الله به.
2- أن يثني على فاعله.
3- أن يرتب الثواب على فعله.
فإذا ثبت كون الفعل عبادةً صار صرفه لغير الله شركًا.
والإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الألوهية؛ لأن الذي يقر بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر لابد أن يقر بأنه المستحق وحده للعبادة, والإقرار بتوحيد الألوهية متضمن الإقرار بتوحيد الربوبية.
 

([1]) القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد- للشيخ عبدالرزاق العباد (ص29).
([2]) صفات الله عزوجل الواردة في الكتاب والسنة (ص146).
([3]) مذكرة على كتاب العقيدة الواسطية للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (ص7).
([4]) تفسير ابن كثير (1/180)
([5]) هذا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته العبودية( ص6)
([6]) رواه البخاري (6502)

الأربعاء، 22 يناير 2014

احذر فالأمر جد لا هزل!!


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد:
فبعض الأفاضل عنده غيرة شديدة على الدين ولكنه ربما أساء التصرف!!
فما أن يغرد إبليس من الأبالسة إلا وتجده أول المروجين له!!
ربما تقول كيف ذلك؟!!
وهل يعقل؟!!
فأقول: نعم !!
فكم من وسم (#هاشتاق) فُتح باسم ذلك الإبليس بقصد الرد عليه فإذا به يشتهر أكثر وأكثر، وقد كان قبلُ في الكهوف مع الخفافيش!!
وكم من متحمِّس شارك في ذلك الوسم بضحالة من العلم والحلم!!
فزاد به الهم والغم!!
ومعلوم أن أكثر المستخدمين (تويتر) هم من عامة المسلمين ممن لا تمييز لهم بين الغث والسمين فيما اشتبه من مسائل الدين!!
فتجد الواحد منهم يتتبع كل جديد، ولسان حاله هل من مزيد، أغراه حب الاستطلاع، فسلك به سبل الضياع، قد جعل قلبه كالإسفنجة فأضحى مرتعًا لكل شبهة!!
والشبه خطافة!!
وعاجل بشراها الجهل والضلالة فيعمى القلب عن الحقائق الواضحة وهذه هي العاقبة {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}!!
فاللهم احفظ قلوبنا من الزيغ!!
ويزيد الأمر خطورة إن كان الرد على الشبهة ركيكًا وكان الخصم بالمقابل فصيحًا فيقلب الحق باطلًا والباطل حقًا وهذا أمر مشاهد لا ينكر فالواجب الحذر ومراعاة مصلحة العامة حتى لا يفتتنوا وعن الحق يعرضوا من باب "...ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعضٍ، فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ" [البخاري ٧١٦٩].
فاكتفِ أيه الغيور ببيان الحق دون توان ولا فتور، بأدلته، وبثه بين الناس بقواعده، وأعرض عن الرد على كل مجهول جهول ممن يريد الشهرة بطريقة قذرة، فيحوم حول المهمات ليصل به الأمر للطعن في المسلمات، فمثل أولئك لا يلتفت إليهم، ولا يعبأ بمثلهم، فليس كل أحد يستحق الرد عليه، بل البعض لا يردعه إلا التجاهل وقديمًا قيل: "الحقران يقطع المصران".
وإذا رد أحد العلماء أو المشايخ الفضلاء أو طلبة العلم النجباء فلا حاجة للمزيد على كلامهم بل الواجب أن نكتفِ بالنشر لهم.
هذا وإن مما يكدِّر الخاطر أن يُعتب على المشايخ الأفاضل من قبل بعض صغار الطلبة لسكوتهم عن بعض تفاهات الجهلة!!
وهذا عارضٌ لا يبشر بخير إذ المشايخ ما سكتوا إلا لعلمهم أن السكوت أنفع والتجاهل أنجع، فليت من تسرع وعتب أن يستشير قبل تغريده بهذا العتب!!
فلربما ترى المصلحة في الرد وقد غابت عنك مصالح الصد، فالعجلة من الشيطان والتأني من الرحمن كما قال سيد الأنام عليه الصلاة والسلام: "التَّأنِّي من اللهِ والعجَلَةُ من الشيطانِ" [السلسلة الصحيحة ١٧٩٥].
فإن أبت عليك نفسك، وعجزت عن حبس غيرتك فغرد عندما تكون هادئ النفس، لتأمن الوقوع في براثن اللبس، فردود الأفعال أكثرها وبال، فكن في منأى من تلكم الحال، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "...إياك وما يعتذر منه" [السلسلة الصحيحة ١٩١٤].
فهذه خاطرة عابرة وأرجو أن تكون عاطرة، تلامس قلوبًا حاضرة، وضمائر مستبصرة، أردت بها الإصلاح في العاجلة، والأجر من الله عليها في الآخرة ..

كتبها أخوكم/
حمد بن دلموج السويدي غفر الله له ولوالديه
٢١/ ربيع الأول/ ١٤٣٥هـ
٢٢/ يناير / ٢٠١٤ م

الجمعة، 17 يناير 2014

مغردونا إلى أين؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
إن القلب ليتقطع حزنا لجرأة بعض المغردين في كلامهم حول مسائل الدين بلسان عقيم مشوب بالطعن في العلماء الراسخين!!
مبررين تلك الجهالات بـ "حرية الرأي" زعموا!!
وكأن هذه الكلمة من وحي السماء هكذا أُوهِموا!!
حتى جوز من لا يعرف للرب قدره الإعتراض عليه!!
ونادى الذي تولى كبره بتقديم الحرية على شريعته!!
وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "...إن لم تستح ِفافعل ما شئت" [رواه البخاري ٣٤٨٣].
ومعلوم أن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!!
وأي عجب أعظم من أن يُتعدى على مقام الرب جل وعلا!!
أو يُطعن في العلماء من قبل أهل العمى!!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" [صحيح الجامع ٥٤٤٣].
واليوم نبتت فينا نابتة سوء، من قاصري العلم والديانة، أرباب جهلٍ وأتباع كل ناعق، يغردون بأنواع من الجهالات يستحي أبو جهل في زمانه أن يتفوه ببعضها!!
يطعن أجهل القوم في شيخ الإسلام ابن تيمية الإمام لأنه ما تزوج!!
معللا ذلك بأنه رغوب عن السنة، ومستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم: "من رغب عن سنتي فليس مني" هكذا يدعي هذا المغفل!!
وهو إذا يكتب هذه السفسطة تراه حليقًا معرضًا عن السنة الظاهرة، عاريًا عن الأخلاق الفاضلة، جامعًا في حسابه لتغريدات أهل الزندقة والفجور، مروجًا لنوع السجارة التي يدخنها وهو مسرور!!
فما أدري هل هذه الأعمال هي السنة عنده أم ماذا؟!
ومن جهالاته طعنه في العلماء بأنهم علماء حيض ونفاس، وأن أكثر فتاواهم في الطهارة والنجاسات!!
وهذه سنة (اخونجية) خبيثة مكشوفة من قديم، أُريد بها صرف الناس عن أئمة الهدى إلى أرباب الجهالة والهوى، فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!!
فواعجبا ممن يعلن النكير والنفير على الإخوان المفلسين، ثم تجده يتكلم بكلامهم وينطق بمنطقهم فلا أدري هل أُعجب بهم؟!
أم هو مدسوس من قِبلِهم؟!
أم أنه أخرق تبعٌ لكل أحمق؟!
فهل يصلح من هذه حاله أن يسمى مغردًا للوطن؟!
والله إن وطننا أكرم من أن يكون مثل هذا مدافعا عنه!!
فالمدافع عن وطنه إنما الحامل له على ذلك دينه وعقيدته ووغيرته على وطنه لا أن يطعن في ثوابت الدين ومسلماته وأهله بحجة أنه ضد الإخوان المسلمين!!
بل وصل الجهل ببعض المغردين إلى القول بأن إعفاء اللحية وتقصير الثوب والسواك لا تدل على التدين!!
سبحان الله!!
إذا كان الإلتزام بالهدي الظاهر لا يعد تدينًا فما هو التدين إذا؟!
والله عز وجل لم يكلفنا بالحكم إلا على الظواهر أما البواطن فأمرها إلى الله...وكل إناء بما فيه ينضح!!
والله إن العقول لتقف متحيرة من صدور تلك التفاهات من بعض أبناء المسلمين ولكن إلى الله المشتكى حيث صار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا!!

وأختم بنصيحة:
أيها المغرد للوطن لا يحملك بغضك للإخوان المفلسين وغيرهم من فرق أهل الضلال على أن تظلم وتنسب كل المستقيمين لفكرهم!!
فإن هذا يؤدي إلى الطعن في الدين وتشويه صورته ظلمًا كما فعل اللبرالية وأشياعهم من الصوفية وبقية أهل الزندقة فاحذر من هذا المسلك الخبيث ولا تبغِّض الناس في دينها!!
وقد لمسنا آثار هذا المسلك في بعض من يغرد للوطن من عدم التمييز بين أهل الحق والباطل فتراه يعادي أهل الاستقامة ويوالي أهل الكفر والزندقة ويقدمهم عليهم!!
وهذا خلل عقدي خطير لابد من التنبيه عليه، فإن من أصول عقيدة المسلم الولاء والبراء،
والولاء بمعنى المحبة والبراء بمعنى البغض،
فالولاء لكل مسلم على قدر من فيه من صلاح والبغض لكل كافر ولكل مسلم على قدر ما عنده من المعاصي،
فالمسلم يجتمع فيه ولاء وبراء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "...إِنَّ أوْثَق عُرَى الإيمانِ أنْ تُحِبَّ في اللهِ ، وتُبْغِضَ في اللهِ" [صحيح الترغيب ٣٠٣٠]
وأما الكافر فليس له إلا البراء كما قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[المجادلة: ٢٢].
ولا يلزم من بغض الكفار ظلمهم أو التعدي على حقوق المستأمنين منهم فإن ديننا الحنيف لا يقر الظلم مطلقًا، ولا يعرف الغدر ونقض العهود أبدًا؛ لذلك رتب أشد العقوبات على قتل المعاهدين فقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا" [صحيح البخاري ٣١٦٦].
أسأل الله أن يصلح أحوال المغردين وأن يجعل تغريداتهم فيما يرضيه جل وعلا فإن الأمر جد خطير فقد قال صلى الله عليه وسلم: "...وإنَّ الرجُلَ لَيتكلمُ بِالكلمةِ من سَخَطِ اللهِ تَعالى ما يَظنُّ أنْ تبلُغَ ما بَلَغَتْ ؛ فيُكتُبُ اللهُ عليه بِها سَخَطَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ" [صحيح الجامع ١٦١٩].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
كتبه أخوكم/
حمد بن دلموج السويدي
17 / ربيع الأول / 1435 هـ
18 /   يناير   / 2014 م