الاثنين، 30 ديسمبر 2013

رسالة إلى بنات حواء ونصيحة للأولياء



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه ومن والاه أما بعد:
فمنذ ظهور العباءات المزركشة والملونة وأهل العلم يحذرون منها ويحرمون إرتداءها سواء كانت الزينة فيها قليلة أم كثيرة!!
ولكن للأسف أصبحت العباءة اليوم -عند الكثيرات- يقصد بها الزينة فحسب!!
لا علاقة لها بالستر البتة!!
وهي أشبه ما تكون بفساتين الأفراح!!
ومثل هذه العباءة في الحقيقة تحتاج لعباءة أخرى لتسترها!!
إذ لا يخفى على كل ذي عقل رشيد أن هذا النوع من العباءات خلاف مقصود الشارع الحكيم من الأمر بالستر وحث المؤمنات عليه، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]
قال العلامة السعدي -رحمه الله-
في تفسير هذه الآية :"يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن.." انتهى.
وقد ابتلينا مؤخرًا بظاهرة مقيتة انتشرت في أوساط كثير من البنات بل وحتى الأمهات!!
ألا وهي توسيع أكمام العباءة بحيث تُكشف اليد إلى المرفقين لأدنى حركة وربما بلغت حتى الإبطين!!
وكأنها ليس بعورة!!
فيالها من غفلة!!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" [صحيح الترغيب ٣٤٦]
ألا فاتقين الله يا معشر النساء، واعلمن أن هذا الفعل يوجب غضب الجبار ومقته!!
فكيف تهنأ من هذا حالها!!
والإثم لاينفك عنها بسبب لباسها!!
ألا تخاف أن يختم لها وهي مصرة عليها!!
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "...الأعمال بالخواتيم" [رواه البخاري 6607]
ويعظم البلاء إن صارت الواحدة قدوة للغافلات في الشر!!
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "...ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " [رواه مسلم 2674]
والدعوة لا تقتصر على اللسان فقط، بل يدخل فيها الفعل، فقد تكون الدعوة بمجرد الفعل أبلغ من القول فهلا تنبهتِ لذلك!!
ومن المفاهيم المغلوطة حصر مفهوم الحجاب على ستر الشعر فقط!!
وهذا الفهم السقيم قد عم فئاما من النساء؛ لذا تجد الواحدة منهن تجتهد في تغطية شعرها، ولا تبالي بعد ذلك فيما بقي من جسدها!!
فترتدي أضيق الملابس، بل ربما القصير منها وتعد نفسها محجبة بذلك!!
وأنا أسأل سؤالا لعله يوصل إلى فهم المقصود:
أيُّ الفتنتين أعظم: أهي الفتنة بالشعر أم بالجسد؟!
أظنها وصلت..
ولا ينقطع عجبي من غياب دور بعض الآباء والأزواج!!
وكأنهم عميان لا يبصرون!!
ولكن من تدبر قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، علم أن العمى الحقيقي هو عمى القلب والبصيرة عن إدراك الحق والإعتبار!!
وهذا يورث الغفلة والعار!!
واتباع الهوى وسلوك طريق الردى والبوار!!
فكم من أب وأم ضيعوا بناتهم بسبب الغفلة!!
وحججهم الواهية: "لازالت صغيرة، أو أخشى أن تتعقَّد أو أتركوها حتى تقتنع بنفسها...الخ"
وما علموا أن من شب على شيء شاب عليه، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- : "والصبي وإن لم يكن مكلفا فوليه مكلف، لا يحل له تمكينه من المحرم، فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه " [تحفة المولود ص404]
وقال في موضع آخر: "..وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه.." [تحفة المولود  ص387]
قلت: ولاشك أن الحجاب الشرعي من أوجب تلك الفرائض على المرأة فإلى متى الغفلة أيها الآباء؟!
فأسأل المولى أن ينور البصائر ويحيي القلوب.
وليعلم الآباء والأزواج أنهم موقوفون بين يدي الله يوم القيامة فسائلهم عمن استرعاهم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته!!
قال صلى الله عليه وسلم "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" [رواه مسلم 142].
ومن أعظم الغش أن يترك الآباء والأزواج الحبل على الغارب للنساء في أمور اللباس خاصة، فلا يأمرهم ولا ينهاهم والله المستعان.
وختاما أسأل الله أن يصلح أحوال أخواتنا وأن يمن عليهن بالحجاب الشرعي، وأن يختم لنا بالصالحات أعمالنا والحمد لله رب العالمين.
كتبه أخوكم/
حمد بن دلموج السويدي
26/ صفر/1435 هـ

 

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

نصيحة أخوية في زمن الغربة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فهذه كلماتٌ يسيرة كتبتها نصيحة لنفسي ولإخواني من طلبة العلم ممن تشاغلوا وانشغلوا عن التأصيل العلمي والدعوي، وشغلوا جل أوقاتهم في تتبع الردود والأقاويل، فصارت مجالس كثير منهم من أولها إلى آخرها في هذا الباب فقط، وواقع بعض المجموعات الدعوية (الوات ساب وغيره) واقعٌ مرير، من غياب للحكمة، وإلغاء لمبدأ الرحمة، والمسارعة في التهمة وغير ذلك من الآفات الضارة!!
وهذا لا شك أنه خلاف المقصود من هذا الباب العظيم، وخلاف ما عليه العلماء قديمًا وحديثًا..
ولا تظن أيها القارىء أني أزهِّد في باب الجرح والنقد المشروع!!
فشأنه عظيم وتضييعه هو في الحقيقة تضييع للدين، ولذلك قال ابن سيرين: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"..
ولكن لا بد أن يُعلم أن باب الردود والجرح هو باب من أبواب العلم وليس هو العلم كله!!
وحري بطالب العلم أن يشتغل بالتأصيل العلمي على ما قرره أهل العلم من التدرج في العلوم، ويدع الردود لأهلها؛ فهذا الباب لا يصلح الكلام فيه إلا من خواص أهل العلم وطلابه الحذاق الذين تنطبق عليهم شروطه..
وحري بالمبتدئ أو غير المؤهل ألا يُقحم نفسه فيما لا يحسنه ولا ينشئ الكلام والتحذير من تلقاء نفسه!!
بل الواجب عليه أن ينقل كلام أهل العلم من دون أن يزيد فيه أو ينقص أو يتكلف تأويله بما يوافق مراده وهواه أو أن يصحب النقل بالاستهزاء فإن هذا محرم ولو كان المحذر منه من أئمة الضلال!!
ووقتك يا مسلم اصرفه في الأوجب والأنفع لدينك ونفسك..
وقد قيل لمالك بن أنس رحمه الله: ما تقول في طلب العلم؟
قال: حسن جميل، ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تُصبح إلى حين تمسي فالزمه. [صفة الصفوة ٢ / ٥٠٤]
وقد يقول قائل: ما هو موقف طالب العلم من من هذه الردود؟
فأقول: موقفه بحسب ما استبان له من كلام أهل العلم ومن معرفته بحال المتكلم فيه وهل ما نُقل عنه صحيح أم لا؟ بعيدًا عن العواطف والمجاملات!!
وليتق الله في هذا الباب، ولا يحمِّل نفسه ما لا تطيقه يوم القيامة من الخوض في أعراض أهل العلم أو حتى غيرهم بالهوى والتشفي بعيدًا عن المقصد الأساسي وهو النصيحة لله، وقلَّ من يسلم له ذلك، فالواجب الحذر..
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له، والشفقة عليه، والغيرة له؛ وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورأفة، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه، والإحسان إلى خلقه" [كتاب الروح ٤٤٢]
وهذه المسائل ينبغي أن يكون الناظر فيها منصفًا لاسيما في الخلاف الدائر بين دعاة السنة أنفسهم (بين مجرِّح ومعدل)، وألا يُلزم أحد الآخر بقبول ما يعتقده صوابًا؛ فهذه المسائل اجتهادية، والدليل هو الفيصل فيها لا الأشخاص!!
ولا يُفهم من كلامي أن أهل العلم الذي تكلموا في بعض إخوانهم ليس عندهم إنصاف!!
حاشا وكلا!!
ولكن غالب ما يحدث الآن من التحريش بين أهل العلم من جراء نقل الكلمات التي قيلت في مجالس خاصة وفي ظروف معينة، أو انتزعت من سياقها وفصلت عن سباقها ولحاقها أو نقلت بالمعنى الذي فهمه الناقل مما قد يحيل المعنى فيقع التحريف من هذه الجهة ولربما صاحب ذلك سوء نية، أو أيدٍ مندسة خفية!!
أو غير ذلك..
فتعظم المصيبة ويا لها من بلية!!
وصدق من قال:
وما آفة الأخبار إلا رواتها..
فأوصي نفسي وإخواني من طلبة العلم بحسن الظن بإخوانهم، وأن يتجنبوا الطعن في نية كل من خالفهم من إخوانهم أو رميهم بإتباع الهوى؛ فلعل ما تظنه اليوم حقًا وتنافح عنه يستبين لك بعد مدة أنه خلافه،
ليس ذلك لاختلاف الأصول ولكن التنزيل؛ فالأصول ثوابت، وأما التنزيل فهو محل اجتهاد ونظر، فقد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، وما وسع العلماء يسع من بعدهم!!
وأعلم أن العلماء في ذلك بين أجر وأجرين، وما عداهم إن سلم من الإثم فليحمد الله.
وأختم بكلام عظيم النفع للخطيب البغدادي في كتابه المتفق والمفترق (١/ ١١١) في ذكر الخلاف في شيخ مالك هل هو عبدالملك بن قرير أو عبدالملك بن قريب قال:
" فإذا كان يحيى بن معين لم يسلم من الوهم مع ثبوت قدمه في هذا العلم لأدنى شبهة دخلت عليه من قبل كلام وقع إليه فكيف يكون حال من هو دونه"
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

وكتبه أخوكم/
حمد بن دلموج السويدي
21/ صفر / 1435