السبت، 14 يوليو 2012

خلاص الكلام في أحكام الصيام

خلاصة الكلام في أحكام الصيام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إن من نعم الله علينا أن جعل العبادات متنوعة حتى لا تمل النفوس ولا تفتر,
فإن النفوس قد توفق للاجتهاد في عبادة معينة ما لا توفق للأخرى, فاقتضتْ حكمة الباري جل جلالهُ وتقدستْ أسماؤه أن تتعدد العبادات وتتنوع.
والصوم أيها الأفاضل من العبادات العظيمة التي اختصها المولى لنفسه فقال" كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"[رواه مسلم]
ولو لم يأت في فضله إلا هذا الحديث لكفى به
كما لا يخفاكم فضل شهر رمضان قال صلى الله عليه وسلم " إذا كان رمضان فتّحت أبواب الرحمة، وغلّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" [رواه مسلم]
وفي رواية".. ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة" [الترمذي]
فلنشمر عن ساعد الجد مستعينين بالله تعالى, حتى نكون من عتقاء رمضان وهذه خلاصة مفيدة بإذن الله في أحكام الصيام جمعتها لنفسي ولإخواني, ونهجت فيها نهج الاختصار, ووضعت فيها جملة من الأحكام مما يستفيد منها الصغار والكبار, وجعلتها على شكل نقاط مرقمة ليسهل فهمها وهي عبارة عن خلاصة من كلام أهل العلم في الباب, فأسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن ينفع بها كاتبها وقارئها وأن يجزي خيراً من ساهم في نشرها.



♦مقدمات مهمة♦

1- سُمِّي شهر رمضان من الرَّمْضاء وهي شدة الحر؛ لأن العرب لما جاءت تنقل أسماء الشهور سمتها بالأزمنة التي هي فيها, فوافق رمضان أيام الحرّ وشدته فسمي بذلك، وقيل لأنه يحرق الذنوب، والحكمة من الصيام هي التقوى، قال الله عز وجل: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

2- وكان فرض صومه في السنة الثانية للهجرة إجماعًا، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعًا.

3- والصيام معناه في اللغة: الإمساك، ومنه قول الله عز وجل لمريم: ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أي: صمتًا ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: 26].

4- وهو شرعًا: التعبد لله بالإمساك عن المفطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

- قلنا (التعبد لله) لأن الصوم عبادة وكل عبادة تحتاج لنية تعبّد، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: « إنما الأعمال بالنيات..» [رواه البخاري: 1].

- وقلنا (الفجر الصادق) لأن الفجر فجران كما قال ابن عباس : « الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام ».

- والفرق بينهما هو أن الفجر الذي لا يُحرِّم وهو (الفجر الكاذب) يكون فيه النور بشكل طولي وعلى جنبتيه ظلمة وسرعان ما يختفي هذا النور وترجع الظلمة.

- وأما الفجر الذي يُحرِّم وهو (الفجر الصادق) فهو الذي يكون فيه طلوع النور بشكل أفقي ويستمر حتى تطلع الشمس.

- وقولنا (غروب الشمس) أي غياب قرص الشمس كاملاً، فلو غابت الشمس وأقبلت الظُلمة من جهة المشرق فقد حلَّ الفطر ولو كانت الدنيا مسفرةً كما في حديث عبدالله بن أبي أوفى قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال:« انزل فاجدح لنا »،

قال: يا رسول الله لو أمسيت. قال: «انزل فاجدح لنا»، قال: يا رسول الله إن عليك نهارًا.

قال: « انزل فاجدح لنا »،

فنزل فجدح ثم قال: « إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم وأشار بإصبعه قبل المشرق» [رواه البخاري: 1956].

5- ويجب صيام رمضان على كل مسلمٍ، بالغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مقيمٍ، خالٍ من موانع الصوم (الحيض والنفاس).

6- فلو صام (الكافر) حال كفره لم يقبل منه؛ بسبب الكفر والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ﴾[التوبة: 54].

7- وغير (البالغ) مرفوعٌ عنه القلم وكذا المجنون؛ فلا يُلزمان بالصوم, والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: « رفع القلم عن ثلاث:عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل » [ رواه ابن ماجه 2041]

-ولو صام غير (البالغ) قُبِلَ منه، ويستحب لوليِّه أن يُعَوِّدَهُ عليه كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون.

8- وغير (القادر) وهو العاجز لا يُلزم بالصوم؛ لقول الله عز وجل :﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ [ سورة البقرة: 286], وسيأتي ذكر أنواع العجز وبيانه لاحقًا.

9- وغير(المقيم) وهو المسافرلا يجب عليه الصوم حال سفره؛ لقول الله عز وجل:﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾[سورة البقرة: 184]، ولو صام صح منه، وله أحوالٌ ثلاثةٌ سيأتي ذكرها لاحقًا.

10- و(الحائض والنفساء) يجب عليهما الفطر والقضاء ولا يصح منهما الصوم إجماعًا.

11- وتكفي (نية واحدة) في بداية الشهر-قبل دخول فجر أول يوم من رمضان- ما لم يحصل انقطاع في تتابع الصوم، فإن قطع صومه لمرضٍ أو سفرٍ ونحوه فيستأنف النيَّة لبقية الشهر.

- فالنيَّة وإن لم تقع في كل ليلةٍ حقيقةً، فهي واقعةٌ حكمًا؛ لأن الأصل عدم قطع النية، ولا يسع الناس العمل إلا بهذا. (هذا اختيار العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 6/356)

- ومجرد القصد إلى السحور قائمٌ مقام تبييت النية عند من اعتبر التبييت لكل ليلة.

- تنبيه: [كل من علم أن غدًا من رمضان وهو يريد صومه, فقد نوى صومه]، هذه هي حقيقة النية ولا مزيد عليها والتلفظ بها بدعة. (ما بين المعكوفتين هو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 25/215)

12- ويثبت دخول شهر رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا في حال عدم الرؤية، سواء كان الجو غائمًا أو صحوًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عِدَّةَ شعبان ثلاثين يومًا» [رواه البخاري: 1909]، ومعنى « غُبِّي» : أي اختفى واستتر.

13- ويُقبل في دخول رمضان شهادة واحد عدل، ولا يقبل في الخروج منه إلا شهادة اثنين، وهو قول عامة أهل العلم وحكي إجماعًا.

14- ولا يجوز صوم يوم الشَّك وهو اليوم الذي يُظن أنه الثلاثين من شعبان, كأن يكون الجو غائمًا ليلة الثلاثين من شعبان فلا يُرى الهلال بسببه, والدليل حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: «من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم»[رواه آبو داود: 2334].

15- ولا يجوز تقدُّم رمضان بصوم يوم ولا يومين بنية الاحتياط؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم، أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم » [ رواه البخاري: 1914].

- وقوله: «..إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم» كمن اعتاد صوم الاثنين وصادف يوم الشك عادته فلا يشمله النهي.

16- ولا يصوم من رأى الهلال وحده ورَدَّ القاضي شهادته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» [ رواه الترمذي: 697] وكذا من رأى هلال شوال وحده ورُدّتْ شهادته.

17- والشهور العربية لا تزيد على ثلاثين يومًا ولا تنقص عن تسعةٍ وعشرين يومًا، فلو أخطأ الناس في رؤية الهلال, وصاموا ثمانٍ وعشرين يومًا ثم رُؤي هلال شوال, أفطر الناس للعيد ولزمهم صيام يوم واحد.

18- ولا يجوز الاعتماد على الحسابات الفلكية في دخول وخروج الشهر وهذا مجمع عليه (نقل الإجماع شيخ الإسلام في الفتاوى 25/123).

19- ولو رُؤي الهلال في بلد معين لزم كل من وافقهم في مطلع الهلال العمل بهذه الرؤية، وإن اختلفتْ المطالع لم يلزم. (هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، الاختيارات للبعلي ص 158)

♦فصل في ذكر أهم آداب رمضان♦

20- استحباب السحور: لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا فإن في السحور بركه » [رواه البخاري: 1923]، وقال «السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» [رواه أحمد 3/12].

- والبركة يراد بها الزيادة في المقدرة على الصوم والزيادة في الأجر، وصلاة الله على المتسحرين هي ثناؤه عليهم, وصلاة الملائكة هي الدعاء لهم.

21- تأخير السحور: لحديث أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة.

قلت: كم بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية» [ رواه البخاري: 1921].

22- السحور بالتمر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النـبي صلى الله عليه وسلم قال: « نِعْمَ سحور المؤمن التمر » [ رواه ابن حبان: 3475].

23- الكف عن اللغو والرفث وقول إني صائم لمن شاتمه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «..إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم..» [ رواه البخاري: 1904]

ومعنى «يرفث»: الكلام الفاحش ويدخل فيه الجماع، ومعنى «يصخب»: الخصام والصياح.

24- اجتناب قول الزور أو العمل به : لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [ رواه البخاري: 1903].

و«قول الزور» هو الكذب, و«العمل به» أي بمقتضاه.

25- الجود ومدارسة القرآن واستحباب ختمه: لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة» [ رواه البخاري: 1902].

- قال القسطلاني: "قوله (أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة، إشارة إلى أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبَّر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده عليه الصلاة والسلام كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه".

26- تعجيل الفطر: عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [ رواه البخاري: 1957].

- قال القرطبي: " إنما كان ذلك؛ لأن التعجيل أحفظ للقوَّة، وأدفع للمشقة، وأوفق للسنة، وأبعد عن الغلو والبدعة..".

27-الحرص على الدعاء: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث دعوات لا ترد، دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر» [ رواه البيهقي في الكبرى 3/345].

28- الفطر قبل الصلاة بما يتيسر: لحديث أنس رضي الله عنه قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رُطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رُطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من الماء»[ رواه أحمد 3/164].

29- الدعاء بعد الفطر بـ« ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله » لحديث ابن عمر رضي الله عنه [ رواه أبو داود: 2357].

30- تنبيه: ولا يصح الدعاء بــ«اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم [ رواه أبو داود: 2358 وضعفه الألباني].


♦فصل في ذكر أحكام المفْطرين في رمضان♦

المفطرون ثلاثة أقسام :

31- القسم الأول: من يُرخَّص لهم في الفطر وعليهم القضاء فقط:  وهم (المسافر, والمريض مرضًا يرجى برؤه، وكذا الحامل والمرضع سواء كان فطرهما خوفًا على النفس أو الجنين) على الراجح من أقوال أهل العلم.


32- فالمسافر يجوز له الفطر مطلقًا ولو ابتدأ صومه حال إقامته ثم سافر، وسواء كان سفره شاقًا (مثل: سفر البر أو البحر) أو غير شاقٍ (مثل: السفر بالجو) وكذلك لو كان سفره مستمرًا (مثل: الطيار، ومضيف الطيران، وسائق الشاحنة التي تتنقل بين البلدان)؛ لأن كل من يصدق عليه أنه مسافر جاز له الترخُّص برخص السفر، وللمسافر ثلاثة حالات:

-الحالة الأولى: ألا يشق عليه الصوم فالصوم في حقه أفضل؛ لفعله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: « خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة». [ رواه البخاري: 1945]

- الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم مشقة خفيفة، فالفطر في حقه أفضل؛ لأن الفطر رخصة وقد قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه » [ روواه أحمد 2/108].

- الحالة الثالثة: أن يكون الصوم في حقه شاقًا جدًا، فهنا يحرم عليه الصوم لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فرأى زحامًا ورجلاً قد ظُلِلَ عليه, فقال:«ما هذا؟»

فقالوا: صائم.

فقال:«ليس من البر الصوم في السفر» [ رواه البخاري: 1946].

- وكذا لو كان الصوم يؤدي إلى موته فيحرم عليه لقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [سورة النساء: 29].

33-والمرض الذي يُرخَّصُ لصاحبه بالفطر هو:المرض الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه (هذا قول ابن قدامة في المغني 4/403).

34- القسم الثاني: من يجب عليهم الفطر والقضاء: وهما الحائض والنفساء لحديث معاذة رضي الله عنها قالت: سألتُ عائشة رضي الله عنها، فقلت: «ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟...قالت: كان يصيبنا ذلك ، فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» [ رواه مسلم: 689].

35- وكل من أفطر لعذر شرعي (مرض، أو سفر، أو حمل، أو إرضاع، أو حيض، أو نفاس) فالأولى في حقه أن يبادر بالقضاء لقول الله عز وجل : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة آل عمران: 133]، ويجوز له أن يقضي متى شاء، ولا ينبغي له أن يؤخر القضاء حتى يدخل عليه رمضان التالي، فإن فَرَّطَ وأخَّر الصوم إلى رمضان القادم بغير عذر فيستحق الإثم وعليه القضاء.

36- وهنا مسألة مُهِمِّة: وهي أن الحامل قد تُسْقِط أو يموت جنينها ويُجرى لها عملية لتنظيف الرحم فهل تعتبر نفساء؟

الجواب: إذا أسقطتْ الحامل بعد مرور ثمانين يومًا فأكثر وتبيَّن في الجنين خلق إنسان فإنها تعتبر نفساء، وأما إن لم يتبيَّن فيه خلق إنسان أو أسقطت قبل تمام الثمانين فإنها تعتبر طاهرة وتلزمها الصلاة والصوم وتأخذ حكم المستحاضة. (هذا اختيار العلامة ابن عثيمين في الفتاوى 19/361)

37- القسم الثالث: من يباح لهم الفطر وليس عليهم إلا إطعام مسكين عن كل يوم: وهم العاجزون عن الصوم لكبرٍ أو مرضٍ لا يرجی برؤه.

38- وطريقة الإطعام: هي أن يعطي الفقير طعامًا غير مطبوخ بمقدار نصف صاع على المشهور (كيلو ونصف) تقريبًا من قوت البلد, واستحب بعضهم أن يُجعل معه ما يؤدم به (من لحم أو دجاج ونحوه) أو أن يصنع طعامًا مطبوخًا ويدعو المساكين لتناوله أو يوزِّع عليهم وجبات جاهزة (عن كل يوم مسكين).

39- ويجوز تقديم الإطعام في أول الشهر أو وسطه أو بعده والأمر فيه واسع.

40- ومن مات وعليه قضاء من رمضان ولم يكن مفرِّطًا في قضائه فلا شيء عليه؛ لعدم التفريط، وأما إن كان مفرِّطًا استُحِبَّ لوليِّه أن يُطْعِمَ عنه، عن كل يوم مسكينًا لقول ابن عباس رضي الله عنه: « إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يَصُمْ: أُطعم عنه ولم يكن عليه قضاء..» [رواه أبو داود: 2401] إلا إن كان الصوم صوم نذرٍ فيستحب لوليِّه أن يصوم عنه كما في تتمة الأثر عنه رضي الله عنه: «..وإن كان عليه نذر قضى عنه وَلِيُّهُ » وقد حَمَلَ الإمام أحمد رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليّه» [ رواه البخاري: 1952] على صوم النذر خاصة كما نقله أبو داود.

41- ومن أفطر أول النهار بعذر شرعي (مرض، سفر، حيض، نفاس) ثم زال ذلك العذر في أثنائه فلا يلزمه إمساك بقية يومه؛ لعدم الدليل على ذلك، بخلاف الصبي إذا بلغ في أثناء النهار فأنه يمسك وجوبًا وليس عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن وجوب الصوم يتبع التكليف، وكذا من أسلم في أثناء النهار أمسك ولا قضاء عليه؛ لوجوب الصوم عليه في أثناءه.

42- ومن أفطر بغير عذر شرعي فله حالتان:

- الأولى: أن يكون شرع في الصوم ثم أفطر، فهذا يأثم وتجب عليه التوبة والقضاء؛ لأنه بشروعه في الصوم قد ألزم نفسه به فصار في حقه كالنذر.

- الثانية: ألا يصوم أصلاً فهذا آثم وعليه التوبة ولا ينفعه القضاء ولو قضى؛ لأنه إخراجٌ للعبادة عن وقتها بغير عذر, فصارت العبادة مردودة لفوات شرط من شروطها (هذا اختيارالعلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 6/365).


♦فصل في ذكر كفارة الجماع ومن تجب عليه♦

43- وكفارة الجماع في نهار رمضان على الترتيب وهي عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا, والدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت!!, قال : «ما لك ؟», قال : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقُها ؟», قال : لا, قال : «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟», قال : لا, فقال : «فهل تجد إطعامَ ستين مسكينا ؟», قال : لا , قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر - والعَرَق : المكتل - قال : «أين السائل ؟», فقال : أنا, قال : «خذ هذا ، فتصدّق به», فقال الرجل : أعلى أفقرَ مِنِّي يا رسول الله ؟! فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : «أطعمه أهلك» [متفق عليه].

44- ولا تجب الكفَّارة على من أفطر بجماع إلا بثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون ممن يلزمه الصوم, فإن كان ممن لا يلزمه الصوم لعلة عدم التكليف مثل الصغير فلا شيء عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث : ...وعن الصبي حتى يحتلم» [ رواه ابن ماجه: 2041].

الشرط الثاني: ألا يكون هناك سببٌ مسقطٌ لوجوب الصوم عن المكلَّف مثل: السفر أو المرض، فلو جامع المسافرُ أو المريضُ فليس عليه إلا قضاء ذلك اليوم فقط؛ لعدم وجوب الصوم في حال السفر أو المرض؛ لقول الله عز وجل : ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184].

الشرط الثالث: أن يكون الجماع في الفرج, لأنه هو المقصود بالنص وهو الذي تترتب عليه الأحكام.

45- والجهل بوجوب الكفارة على المجامع مع اعتقاد حرمة الجماع لا يسقطها، بخلاف الجهل بحرمة الجماع للصائم في نهار رمضان فإنه يسقطها؛ لأن التكليف يتبع العلم.

46-والمرأة كالرجل في وجوب الكفارة إلا أن تكون مكرهة.

47-ولو كرَّرَ الجماع في يوم واحد فعليه كفَّارة واحدة سواء كفَّر بعد حدوث الجماع الأول أم لم يكفَّر؛ لأن صومه بطل بالجماع الأول.


♦فصل في ذكر ما يفسد الصوم وما لا يفسده♦

48- مفسدات الصوم قسمان:

القسم الأول: مجمع عليه.           القسم الثاني: مختلف فيه.

49- فأما الذي أجمع عليه أهل العلم بأنه مُفَطِّرٌ ثلاثة: (الأكل، والشرب، والجماع) بشرط أن يكون عامدًا ذاكرًا لصومه، فلو كان مكرهًا أو ناسيًا فلا شيء عليه.

50- وأما المختلف فيه فكثير، ونحن سنذكر إن شاء الله ما صح أنه من المُفَطِّرات أو أنه ليس منها.

51- فمن المُفَطِّرات الاستمناء: وهو طلب خروج المنيِّ بأي وسيلة؛ لدخوله في قوله صلى الله عليه وسلم: « يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي » والاستمناء داخل في قوله: «وشهوته»، كذلك من قبَّل أو باشر أهله وأنزل فقد فسد صومه على المختار، والمنيَّ ماء طاهر وهو ماء أبيض ثخين يخرج دفقًا بلذة ويوجب الغسل.

52- وأما خروج المذيِّ بالاستمناء أو القُبلة أو المباشرة، فغير مفسد للصوم؛ لعدم الدليل على أنه مفطِّر، وهو سائل أبيض رقيق يخرج عند التفكَّر بالجماع أو المداعبة ولا يحس بخروجه أحيانًا وهو نجس ويبطل الوضوء.

53- وخروج المنيِّ بالاحتلام غير مفسد للصوم؛ لأنه عن غير عمد.

54- والإبر المغذِّية وإضافة الدم تقوم مقام الأكل والشرب فهي مفطِّرة، ويُلحق الدخان بالشرب؛ لأن شرب كل شيء بحسبه، وكل ما دخل إلى معدته من طريق الأنف يعتبر مفطِّرًا؛ لأنه منفذٌ لها.

55- ويستثنى من ذلك الإبر العلاجية مثل: الإنسولين ونحوها؛ لأنها ليست طعامًا ولا شرابًا ولا في معناهما فهي غير مفطِّرة، والحقن الشرجية (التحاميل التي توضع في الدبر) كذلك، وقطرة العين، وبخاخ الربو غير مفطِّر على الصحيح؛ لأن دخوله إلى المعدة غير مقطوع به.

56- ومن المُفَطِّرات: القيء عمدًا (الترجيع) لقول النبي صلى الله عليه وسلم :«من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض» [رواه أبو داود: 2380] ومعنى «استقاء» أي: تعمَّد القيء سواء كان بالنظر أو الشم أو غيره، وأما من غلبه القيء فلا شيء عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء فلا شيء عليه..».

57- ومنها الحجامة وما في معناها لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» [رواه أبو داود: 2367] ونصر ابن القيم هذا القول نصرًا مؤزرًا في كتابه تهذيب السنن فليراجعه من شاء[ تهذيب السنن 3/243].

58- ومن فعل شيئاً من المُفَطِّرات السابقة ناسيًا أو مُكْرَهًا فلا يفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [رواه ابن ماجه: 2045] وهو من محاسن ديننا الحنيف.

59- ولو دخلت حشرةٌ  أو غبارٌ أو تطاير طحينٌ إلى حلقه لم يفسد صومه؛ لعدم التعمّد لذلك، وكذا من تمضمض أو استنشق فدخل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره فلا شيء عليه.

60- ولا يفطر من بلع ريقه ولو كان فيه طعم السواك بشرط أن يخلو من شعيراته، وكذا لا يفطر إذا بلع النُّخامة وإن كان إخراجها أفضل خشية الضرر.

61- ويجوز ذوق الطعام لحاجة مع عدم البلع، وكذلك استخدام معجون الأسنان ومرطب الشفتين جائز ما لم يبلعه.

62- ولا حرج في القبلة للصائم بشرط ألا تؤدي إلى جماع, أو إنزال كما تقدم.


♦تنبيهات مهمة♦

63- من شك في طلوع الفجر أو غلب على ظنِّه أنه لم يطلع فأكل أو شرب ثم تبين له خلافه فلا شيء عليه؛ لأن الأصل بقاء الليل.

64- ومن شك في غروب الشمس فلا يجوز له الفطر حتى يتيقن غروبها؛ لأن الأصل بقاء النهار, بخلاف من أكل يظن أن الشمس قد غربت بسبب غيم ونحوه وتبين له أنها لم تغرب فإنه يمسك وصيامه صحيح.