الخميس، 29 أكتوبر 2015

من سير الصالحين..

جاءت امرأة إلى أبي الحسن السُرّي بن مغلس السقطي في دكانه تستنجد به لمساعدة ابنها؛ لأن الجند قد قبضوا عليه وتخاف أن يؤذونه، وسألته أن يذهب معها أو يرسل أحدًا ليكلم فيه السلطان،
فما كان من السُرّي إلا أن كبَّر وأطال في الصلاة،
فقالت المرأة: يا أبا الحسن اللهَ اللهَ فيَّ،
فسلَّم وقال لها: أنا في حاجتك،
يقول علاّن -وهو راوي القصة-: فما برحت المرأة حتى جاءتها امرأة تبشرها بأن الجند قد خلوا سبيل ابنها،
قال علاّن لأبي الطيب معقبًا على القصة: وإيش يتعجب من هذا؟!
اشترى السُرّي لوزًا بستين دينارًا ليتاجر فيه، وكتب عنده أن ربحها ثلاثة دنانير، فجاء مشتري وقال بكم تبيعني اللوز؟
قال: بثلاثة وستين دينارًا،
فقال المشتري: إن اللوز قد بلغ في السوق تسعين دينارًا!!
فقال السُرّي: قد عقدتُ بيني وبين الله عقدًا لا أُحِلُّهُ، ليس أبيعه إلا بثلاثة وستين دينارًا!!
فقال المشتري: إني قد عقدتُ بيني وبين الله أن لا أغش مسلمًا، لست آخذ منك إلا بتسعين!!
فلا المشتري اشترى منه، ولا السُرّي باعه!!
قال علاّن لأبي الطيب: كيف لا يُستجاب دعاء من كان هذا فعله؟!

[تاريخ بغداد ٩ / ١٨٨ باختصار وتصرف]

الأحد، 18 أكتوبر 2015

مرة أخرى: مغردونا إلى أين؟!!

إن ما نشاهده اليوم من بعض المغردين من تطاولٍ على الذات الإلهية أو تبرير ذلك بحجج واهية فلسفية، إضافة إلى رمي منتقديهم بكلمات بذيئة بل تشكيكهم حتى في الوطنية ليدل دلالة واضحة على ضحالة الفكر، ونقص في العقل، والبضاعة المزجاة، ومحبة الظهور والتصدر التي هي شأنهم في كثير من المواقف!،
وقد سلكوا -في نصرة آرائهم المستوردة وأهوائهم البائدة- منهج الإقصاء الذي رموا به غيرهم زورًا وبهتانًا، على حد قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت"، ولسان حالهم "القول قولنا ولا عبرة بقول من خالفنا!!"
في الوقت الذي يزعمون أنهم يحاربون الغلو والتطرف!
وأقول: بئست العقول والأفهام تلك التي لا تميز بين حق وباطل، وبين خطأ وصواب حين وصفت كل متدينٍ خالفها في جهالاتها بالتطرف!!
ولا عجب فهذه حال كل من جعل مطيته الجهل والهوى!!
ولو سبرت حالهم وتتبعت قالهم لعرفت أنهم هم أرباب الغلو والتطرف حقًا؛ إذ الغلو هو مجاوزة الحد، وهؤلاء قد تجاوزوا النصوص الشرعية واحتكموا إلى عقولهم الضعيفة وانحازوا لها وهذا هو التطرف!!
ففارقوا الوسطية التي صاروا ينادون بها مؤخرًا بدون فهم لمعناها ولا وعي لمقتضاها!!
فالوسطية في ميزانهم هي تمييع الدين بما يوافق الأهواء وتقديم العقل على النقل، وحرية الرأي حتى مع مقام الرب جل وعلا!! وغيرها من الضلالات..
والواقع أن الوسطية تعني العدل والتوسط في الأمور كلها بعيدًا عن الإفراط والتفريط، ولا يكون ذلك إلا بالتزام النصوص الشرعية وامتثال ما دلت عليه، وتحكيمها على العقول لا العكس!
وأهل الاستقامة ينطلقون من نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة فيما يتكلمون به من المسائل، بعيدًا عن الأهواء النفسية، أو المصالح الشخصية، أو التعصبات الحزبية!!
والواجب عليهم أن يحذِّروا الناس من السرطان الفكري الذي اعترى أولئك النفر؛ صيانة للشريعة، وحتى لا يلتبس الحق بالباطل، نصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم امتثالًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ ولِكِتَابِهِ ولِرَسُولِهِ ولأَئِمَةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ" فليس من النصيحة السكوت عن الخطأ خصوصًا إذا شاع وسط عامة الناس، فمن أخطأ أمام الملأ بُين خطؤه أمام الملأ نصحًا للأمة، وعلى هذا جرى أهل العلم في كل زمان..
قال الإمام مالك: ما منا من أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن المؤسف حقًا أن ترى العبارات النابية والأخلاق الدنيئة تصدر من بعض من يغرد لهذا الوطن الغالي -وإن كانوا في الحقيقة قلة-!!
وما يقع منهم من التشكيك في وطنية المتدين إذا خالفهم أو محاولة إلحاقه بالفئات الضالة كالسرورية والقاعدة وداعش وغيرها لأنه لم يوافق مزاجهم لهو أمر خطير وبذرة شر تتنافى مع وحدة الصف!! 
وأقول لهؤلاء: البيت متوحد ووطننا الغالي في غنى عن بذاءتكم وسطحية فكركم، ولا تظنوا ولاة أمورنا وفقهم الله في غفلة عمن يدافع عن البلاد نفاقًا أو لمصالح شخصية (الشهرة..ونحوها) ممن يدافع عنها بدافع العقيدة والدين؛ فلا يزال أهل الاستقامة يقررون في دروسهم عقيدة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف في المنشط والمكره، ويحذرون من فتن التحزبات ومن التيارات السياسية قبل أن يُظهروا عداءهم للدولة بعشرات السنين، فأين كنتم في تلك الفترة؟!!
وما هي جهودكم في التحذير من تلك التحزبات؟!!
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ***من اللوم أو سدّوا المكان الذي سّدوا
فنصيحتي لك أيها المغرد أن تدافع عن وطنك بالحكمة والحجج الناصعة والأخلاق الفاضلة فهذا الذي كان يحبه زايد طيب الله ثراه، واحذر أن تقحم نفسك  فيما ليس من اختصاصك، وتحاكم الناس إلى فهمك، ولا يحملك بغضك لبعض المسلمين -ممن انحرفوا عن الصراط المستقيم كالإخوان المفسدين وغيرهم من فرق الضلال- على أن تظلم وتنسب كل متدين لفكرهم وتطرفهم جزافًا!!
فإن هذا تشويه للدين وإضلال للمسلمين، ومن يبقَ للناس إن كان كل من لم يوافق تلك الأهواء المريضة عُدَّ متطرفًا؟!
ووصف خطابه بالتشدد!!
أيعقل أن يكون التمسك بالنصوص الشرعية تطرفًا؟!
أم هل يعقل أن يكون مرجع الناس في تمييز المتطرف من غيره بعض الجهلة الأغمار ممن ليس لهم في العلم قدم ولا ساق؟!
وهذا في الحقيقة هو عين ما تصبوا إليه الليبرالية وأشياعهم فهم يصطادون في الماء العكر فاحذر أيها المغرد من الانخراط معهم في ذلك المسلك المظلم ولا تبغِّض الناس في دينهم!!
وقد ظهرت آثار هذا المسلك في بعض ردود أفعال من يغرد للوطن من عدم التمييز بين أهل الحق والباطل فتراهم يتولون من يوافق أهواءهم ولو كان من أئمة الضلال والإلحاد!! ويعادون أهل الاستقامة لعدم مطابقة هواهم، وقد سبق بيان خطر هذا المسلك في المقال السابق (مغردونا إلى أين؟!) بما يغني عن إعادته هنا.
وختاما أقول: الوطنية كلمة جميلة المباني عميقة المعاني تضم في طياتها المحافظة على الأمن والاستقرار والسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الجبار، والذي تحمله عقيدته على الدفاع عن وطنه ستجده ثابتًا في مواقفه في المنشط والمكره بخلاف من تتجارى بهم الأهواء فليس لهم قرار ومصداق ذلك أنهم صاروا يعرفون ما كانوا ينكرون وينكرون ما كانوا يعرفون، فبالأمس القريب كان البعض يذم الليبرالية واليوم تجده يتولاهم وينطق بمنطقهم من يحيث يشعر أو لا يشعر فنسأل الله الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه وأن يسلمها من شر كل حاقد  مدسوس..إنه ولي ذلك والقادر عليه..
بقلم/ حمد بن دلموج السويدي



الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

عند باب الخياط‼


كنت واقفًا بباب خياط نسائي أنتظر خروج بعض النساء لأقضي حاجة أهلي، ففجعت بمنظرٍ لا أكاد أصدقه لولا أني رأيته بأم عيني!!
حينما تقدم الخياط -وهو رجل!!- ليأخذ قياس امرأة مسلمة مباشرة على جسدها بلا حياء!!
ويا ليته وقف على قياس كتفها ولم يتعدَ،
أو طول يدها ولم يتخطَ،
ولكنه راح إلى ما هو أبعد من ذلك كله مما أنزّهكم عن ذكره وقبيح وصفه!!
ولا أدري أألوم الخياط على صنيعه المشين؟!
أم المرأة لقبولها على نفسها هذا الفعل المهين؟!
كيف ترضى الحرة لنفسها هذه الإهانة؟!
وهل مات الحياء عند النساء حتى وصلن لهذه السفاهة؟!
أي غفلة هذه بالله عليكم..!!
والله إن الحروف لتتزاحم والكلمات تتلاطم في وصف قبح ذلك المنظر!!
والشكوى إلى الله..
فيا أيها النساء اتقين الله..
أما تستحين من الله أن ينظر إليك في تلك الحالة؟!
أما تخافين أن يفتك بك هذا الأجنبي وقد وقفتِ بين يديه كالميت بين يدي مغسله!!
عندئذٍ ولاتَ ساعة مندم..!!
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" [رواه البخاري ٥٠٩٦]
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظم منزلة الحياء من الدين فقال: "الحياء والإيمان قُرنا جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر" [صحيح الجامع ٣٢٠٠]
وقال: "إن لكل دين خلقًا، وإن خلق الإسلام الحياء" [صحيح الجامع ٢١٤٩]
فيا معشر الرجال اتقوا الله في نسائكم وبناتكم وأخواتكم..
علموهن الحياء والحشمة..
وحذروهن من مثل هذه الغفلة..
وما أجمل ما قال الإمام الشافعي رحمه الله في وصف الحياء:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العـود ما بقي اللـــحاء
فـلا والله مافي العـيش خـير
ولا الدنـيا إذا ذهــب الحـياء
وختامًا أسأل الله أن يصلح نساء المسلمين وأن يلبسهن ثوب الحشمة والوقار وأن يمن عليهن بالحياء..فالحياء كله خير كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
بقلم/ حمد بن دلموج السويدي
25/11/ 1436هـ
09/09/2015 م

السبت، 5 سبتمبر 2015

ربح البيع يا أبناء زايد..وكلنا رهن الإشارة

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فيقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ  يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ  وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ  فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ  وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
ربح البيع يا أبناء زايد..
اختاركم الله لنصرة دينه..
فلبيتم النداء..
وسطرتم المجد..
وتركتم الدنيا لدار ليس فيها عناء..
إنها دار الكرامة..
هكذا نحسبكم والله يتولاكم بفضله وكرمه..
وأزف البشرى النبوية تخفيفًا للمصاب, وتسلية لقلوب ذويهم والأصحاب، وتثبيتًا لأهالي المجاهدين والأحباب.
- قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما في الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة" [متفق عليه].
- وقال صلى الله عليه وسلم "الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها" [صحيح الجامع ٣٧٤٦].
- وقال صلى الله عليه وسلم: "الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته" [صحيح الجامع ٣٧٤٧].
- وقال صلى الله عليه وسلم: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار" [رواه البخاري ٢٨١١].
- وقال صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتّان" [رواه مسلم ٤٩٧٣].
- وقال صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" [متفق عليه].
- وقال صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها" [رواه البخاري ٢٨٩٢].
- وعن مسروق قال: سألنا عبد الله ابن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]
قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: " أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة،
فقال: " هل تشتهون شيئا؟
قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " [رواه مسلم ٤٩١٩]
هذه بعض فضائل الرباط والجهاد في سبيل الله فهنيئا لكم أيها البواسل..
ونقول للحوثي وحزبه كما قال سيدي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: "نحن دمنا ما بيروح..ثارنا بناخذه اليوم وإلا باچر"
والشعب الإماراتي يقول: كلنا رهن الإشارة يا أبا خالد..
ولن نتأخر عن تلبية النداء..
وأفعالنا تسبق أقوالنا..
ونقول للمخذلين: موتوا بغيظكم فلم ولن تثنونا عن نصرة شعب اليمن الأصيل على مليشيات الحوثة وأعوانهم من المرتزقة..
وبعزة الله وقوته سننتصر..

ولعل قول الشاعر يصف لنا طرفًا من حال أبطالنا:
بين العَواصف والرياح نفسٌ تَطيرُ بلا جَناح
نفسٌ تَعِجُّ مع الرعود نفسٌ تُزَمجِرُ كالأسود
تعلو الشَواهقَ والقِمم تطأ الكواكبَ بالقَدم
حتى يَذلَّ لها السُّـهى وتطولَ أوجَ المُنتهى
وتـرى الكَـرامةَ كلَّـها واهـاً لها واهــاً لهـا

وأقول للمجاهدين في قوات التحالف:
أخلصوا النية لله..
ذكروا بها أنفسكم وإخوانكم في سبيل الله..
فالشهادة لمن أخلص النية قال صلى الله عليه وسلم: " الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة [أي: النفس] واجتنب الفساد، فإن نومه وتنبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بكفاف " [السلسلة الصحيحة ١٩٩٠]
وختامًا لا تغفلوا إخواني عن الدعاء لأبطالنا..
اللهم احفظهم..
وسدد رميهم..
وزلزل الأرض تحت أقدام عدوهم..
وأكرمهم بالنصر القريب إنك سميع مجيب..
بقلم / حمد بن دلموج السويدي

السبت، 1 أغسطس 2015

السنوات الخداعات!!

عندما أشاهد جرأة البعض - ممن هو أجنبي عن العلوم الشرعية، وليس من أهل التخصص فيها، ولا يعرف بها البتة- يخوض في مسائل الأمة المصيرية، ويصف أهل العقيدة الصافية بالتخلف أو التشدد أو الرجعية أو أنهم من (العصور الوسطى)...وغيرها من التصنيفات، أتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم عند فتن آخر الزمان حيث قال: " سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ،
قيلَ: وما الرُّوَيْبضةُ؟
قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ يتكلَّمُ في أمرِ العامَّةِ" [رواه ابن ماجه: ٣٢٧٧]
فكل يوم أزداد يقينًا بمدلول هذا الحديث، وأنه لا ينطق عن الهوى، كيف لا, ونحن نشاهد كثرة الرويبضات من حولنا في وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض صحفنا، يهرفون بما لا يعرفون، ويلوون أعناق النصوص الشرعية لتوافق عقولهم السقيمة، ومآربهم المشينة, يتلونون مع الأحداث تلون الحرباء، ويتحدثون بلسان الغيرة على أمن المجتمعات من  الغلو والتطرف وإن كانوا في الحقيقة هم أربابه!!
سيماهم الطعن في حماة الوطن المخلصين من أهل الاستقامة والدين, ومحاولة التشكيك فيهم!!
ويسعون في تشويه صورة المتمسك بثوابت دينه، ووصفه بالتهم الجاهزة مثل: متشدد، يظن أن الدين صار ملكًا له، ليس لأحد الحق في الحديث عن الدين غيره، يريد أن يكون وصيا على الناس...إلخ،
ولكن أنّا لهم ذلك!!
فمن فضل الله علينا أن مجتمع دولة الإمارات قد اكتسب خبرة في كشف زيف المبطلين، ومطاياهم من السذج عشاق الصدارة ممن يصدق في الواحد منهم قول القائل: (لا يدري، ولا يدري أنّه لا يدري).
فعندما يحاولون إيهام الناس بمثل تلك الاتهامات، نجد الردود التي تبهتهم؛ فمجتمع دولة الإمارات ولله الحمد مجتمع واعٍ، ليس فيه مكان لأهل الغلوّ والتطرف، وهم لحمة واحدة حكامًا ومحكومين،
يعرفون لأهل الفضل فضلهم، ويشيدون بدور الناصحين -أصحاب العقيدة الراسخة - بأنهم صمام الأمان ضدّ الغلوّ والتطرف الفكري بشتى أنواعه واختلاف مدارسه.
وأما تلك التهم الجائرة فإنها لم تأتِ من فراغ؛ فإنهم يريدون العبث في الدين بما لا يقره شرع ولا عقل!!
وتواجد أهل العلم في الساحة -ممن يكشف عوارهم ومخططاتهم المستوردة- يسبب لهم قلقًا وعائقًا عن الوصول لذلك المطلب ويحول بينهم وبين ما يشتهون؛ فلذلك لم يجدوا بدًا من الطعن في الناصحين ومحاولة التشكيك فيهم بتلك التهم الرخيصة..!!
صحيح أن الدين ليس حكرًا على أحد، ولكن من العيب أن تتكلّم فيه بجهل مركب، بل هو من أعظم المحرمات، وقد نهانا الله عن ذلك فقال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ},
فكما أن الطبيب العام لا يحق له إجراء عملية جراحية في القلب!!
فكذلك لا يحق لغير العالم بالشريعة الخوض فيما لا يحسنه وليس هو من اختصاصه، فكونك مسلما لا يبيح لك الكلام في الدين بجهل وإحداث أقوال جديدة، أو إلزام الناس بما تتبناه من الأقوال المغلوطة!!
بنفسية هجومية منفّرة تستطيع أن ترمي من شئت بالعظائم، وتصنّف المسلمين على "ذائقتك الطائفية" ليطلق عليك لقب: مثقف أو شجاع!!،
ومتى ما ضربت بأقوال الأئمة -كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأئمة من بعدهم رحمهم الله-، عرض الحائط، وأخذت بهواهم، ومجّدت من يوافقهم الرأي من مدعي العلم، ووصفتهم بأنهم دعاة الوسطيّة، أو أنهم حملة راية السنة النبوية -وإن كانوا في حقيقة أنفسهم خاوين منها-، فأنت من المعتدلين في ميزانهم!!
وهؤلاء الأدعياء لا يقيمون لدراسة العقيدة والتوحيد وزنًا، فلذلك تجد سهامهم في الطعن مسلطة على من يدرّس التوحيد والعقيدة، ونسوا أو تناسوا بأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله قاطبة هي إلى توحيد الله كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وأما ما يهرف به الأدعياء من أننا على الفطرة وولدنا على الجزيرة العربية، ولا نحتاج لتقوية العقيدة،...وغيرها من الأغلوطات، فحسبي أن أذكّر العقلاء بقول رب العزة في الحديث القدسي: "..وإني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلهم، وإنهم أتتهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أنزلَ بهِ سلطانًا.." [رواه مسلم: ٢٨٦٥]،
فمن المفترض أن تكون سهامهم موجهة نحو من يحارب العقيدة؛ لأنها أصل دعوة الأنبياء جميعًا وتحوي جميع المفاهيم والتعاليم الإسلامية السمحة التي يحتاجها الناس من التذكير بتقوى الله، والاعتزاز بالدين, ومحبة أهله، والحفاظ على وحدة الصف, وحرمة الدماء وغيرها من الأمور التي تفلتت وحلّ مكانها الغلو والتطرف أو الجفاء والتخلف؛ بسبب الجهل بالعقيدة الإسلامية الصافية الناهية أشدّ النهي عن الفوضى وعن الثورات التي فطرت قلوبنا على إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
أما تهميش دور العقيدة والتشكيك في دعاتها فهو في الحقيقة سبب كلّ بلاء من الخروج على ولاة الأمور، وتكفيرهم، وضياع للأمن، وإراقة للدماء، وانتهاك للأعراض والأموال، فهل يعي هؤلاء الأدعياء خطر تهميش العقيدة والتوحيد؟!
ويا ترى ما هو الفكر الخبيث الذي يحاولون زرعه في مجتمعنا الإماراتي بعد تغلبه -بفضل الله- على فتنة الإخوان المفلسين؟!
فهل هناك دين جديد يريدون ترويجه؟!
كن على يقين أيها القارئ بأنه لا سبيل لدحض الغلوّ والتطرف الفكري إلا بنشر العقيدة الخالدة المستقاة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلها لنا الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم أهل القرون المفضلة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فلم ولن يقف الأدعياء أمام وقف الغلو والتطرف في المجتمع أبدًا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا؛ لأنهم في الحقيقة البيئة الأولى الحاضنة لكل هذه الآفات!!
لا تتعجب!!
ما عليك إلا قراءة التاريخ القديم والحديث وعندئذٍ ستعرف منزلة العقيدة وستعرف من هم دعاة الحقّ من غيرهم من الأدعياء!

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

مختصر أحكام الاعتكاف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذه خلاصة معتصرة من كلام أهل العلم في أحكام الاعتكاف أسأل الله أن ينفع بها:
١- الاعتكاف: لغة ملازمة الشيء، كما في قوله تعالى: { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ } أي يلازمونها.
٢- واصطلاحا: لزوم مسجد لطاعة الله.
- وهذا الـ (لزوم) على على وجه التعبد والتقرب إلى الله.
- قولنا (مسجد) خرج به غيره كمصليات البيوت والمصليات التي تكون في الدوائر الخدمية ونحوها فليس لها حكم المساجد.
- (لطاعة الله) هذه هي الغاية من الاعتكاف، والمقصود بالطاعة هنا هي الطاعات الخاصة مثل: الصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، والذكر ونحوها.
٣- وأقل مدة للاعتكاف هي يوم وليلة على الصحيح كما هو مستفاد من قصة نذر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ولم يعهد عن النبي ﷺ والصحابة أقل من ذلك.
٤- وحكم الاعتكاف سنة بالإجماع، والدليل قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر" [متفق عليه] وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكف أصحابه وزوجاته من بعده.
٥- ويصح من الذكر وكذا من الأنثى إن أمنت الفتنة.
٦- ويصح الاعتكاف في كل مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس وأفضله في المساجد الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" [رواه البيهقي ٨٥٧٤].
٧- والسنة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان لحديث أبي سعيد الخدري: اعتكف الرسول صلى الله عليه وسلم في العشر الأول، ثم الأوسط، ثم قيل له: إن ليلة القدر في العشر الأواخر" [رواه البخاري :٦٦٩].
٨- وليس من السنة أن يعتكف في غير العشر الأواخر من رمضان وما ثبت عنه عليه السلام من أنه اعتكف في شوال إنما كان ذلك قضاء؛ لأنه ترك الاعتكاف في رمضان تلك السنة.
٩- ولا يشترط للاعتكاف الصوم؛ لأن كلا من الصوم والاعتكاف عبادة مستقلة فلو أراد المفطر بمرض مثلا أن يعتكف صح منه ذلك.
١٠- وليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا لما لابد له منه كقضاء الحاجة، وجلب الطعام، والاغتسال ونحوه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف، يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» [رواه مسلم ].
١١- وليس له أن يخرج ليشهد جنازة أو يعود مريضًا لقول عائشة رضي الله عنها: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله [أي: أسرحه]، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفا» [رواه مسلم: ٢٩٧].
تنبيه: ذهب بعض أهل العلم جواز عيادة المريض وشهود الجنائز إذا اشترطه المعتكف عند دخوله معتكفه قياسًا على حديث ضباعة بنت الزبير لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم "حجي واشترطي".
١٢- ويبطل الاعتكاف بالخروج لغير حاجة كالذهاب للأسواق والتنزه ونحوه لما تقدم من الأحاديث؛ ولأنه ينافي معنى الاعتكاف.
١٣- وكذا يبطل بالجماع لنهي الله عز وجل عن المباشرة حال الاعتكاف كما في قوله:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع.
١٤- ولا حرج من زيارة المرأة لزوجها المعتكف والحديث معه؛ لأن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزوره وتتحدث معه وهو معتكف ثم تنصرف.

وختاما أسأل الله أن ينفع بهذه الخلاصة وأن يجعلها خالصة لوجهه.
✍ بقلم/
حمد بن دلموج السويدي

الاثنين، 6 يوليو 2015

على رسلك يا وسيم..


الحمد لله معز من أطاعه، مذل من عصاه، {مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ  بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26)،
وأصلي وأسلم على النبي المصطفى الهادي المجتبى القائل وقوله الهدى: "وجعل الذل والصغار على من خالف أمري" [صحيح الجامع: 2831]،
فلا رافع إلا الله..
ولا خافض إلا الله..
ومن ابتغى العزة بمخالفة طريق رسول الله أذله الله..
أما بعد؛؛
فعلى رسلك يا وسيم..
فقد حيرت في وصفك الحليم..
كل يوم تأتي لنا بطامة هي أكبر من أختها التي قبلها..
لبست ثوبًا أكبر من ثوبك، وخضت بحرًا يغرق فيه من هو مثلك،
فحالك اليوم كمن أراد علاج زكامٍ فأحدث في الأمة الجذام..!!
لقد ساويت بين الظلمات والنور حين حشرت اتباع (الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة)=السلفية مع الصوفية الخرافية والشيعة الإمامية بقولك: كلكم يسقط أمام أمن الوطن!!
وأنت تعلم علم اليقين أنه لا أحد يقرر مسائل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور، والحفاظ على الأمن والممتلكات والدور، وتعظيم حرمة الدماء على مراد الله ورسوله إلا السلفية..
فلم التشغيب؟!
ولصالح من هذا التخبيط؟!
إن كان بينك وبين بعض من ينتمي لمنهج السلف خصومة فحلها بينكم، ولا تستغل الإعلام في الانتصار لنفسك والتلبيس على غيرك!!
أتُنكر جهود السلفيين في التحذير من دعاة الحزبية والمناهج المنحرفة الدموية قبل أن تتشجع أنت وأمثالك من الإعلاميين وتنبري لذلك!!
فإن نسيتُ فلن أنسَ تلك العلاقات الحميمة التي تجمعك ببعض الحزبيين مثل العريفي وغيره في الوقت الذي حذر منه السلفيون، بل لا زلت أذكر تمامًا تحذيرهم منه حينما ظهرت أول أشرطته!
فأين كنت ذلك الوقت؟!
أكنت من حزبهم ثم تبت؟!
أم كنت تجهل حالهم فتنبهت؟!
فإن كانت الأولى: فيلزمك التبرؤ منهم صراحة امتثالاً لقول الحق سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:160)،
وإن كانت الأخرى: فالزم العلماء الراسخين، واثنِ الركب عندهم ليبصروك بمناهج المخالفين، ولا تتقدمنَّ بين يديهم وتزاحمهم برأيك فإني لك من الناصحين..
وقد قال العلماء: إذا أقبلت الفتنة علمها كل عالم، وإذا أدبرت علمها كل جاهل..!!
وهنا يظهر الفرق بين العالم والمتعالم..!!
فلما وقعت فتنة الإخوان، وعرفها الخاص والعام، وقاربت على الانجلاء خرجت تحذر منهم..!!
والآن تأتي وتقول: تعبنا من التصنيف: سلفي..صوفي..شيعي.. أشعري..نحن كلنا مسلمون!!
فأقول: هل يستوي من يستغيث بالله وحده بمن يستغيث بالبدوي أو الحسين؟!!
وهل سمعت قط أن دين الله يساوي بين التوحيد والشرك؟
إن كنت تعارض هذا التصنيف من أصله فما الذي جعلك تستثني داعشًا والإخوان وتصنفهم بهذه الألقاب؟!
لأنه يلزم من كلامك في الحلقة أن لا تصنِّف أحدًا ما دام أنه داخل في قول الله عز وجل: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}؟!
فإما أن تخرج الطائفتين من دائرة الإسلام حتى يستقيم لك ما تريد تقريره في حلقتك أو تُقرَّ بأن كلامك كان خطأ، ومتناقضًا، وأن التصنيف منه ما هو حق، ومنه ما هو باطل، فلا يذم كله، ولا يمدح كله، فهلَّا تنبهت؟!
زد على ذلك أنك صرحت باستحياء ذم تصنيف الإخوان المفلسين..لما قلت: "..انظر كيف الأحزاب أو إن صلح التعبير الانتماء إلى الجماعات..سلفي..صوفي..إخونجي" في الدقيقة:[ ٠٧:١٥]
وأنت تعلم أن دولتنا الفتيَّة تجرِّم هذا التنظيم وقد ضمته إلى قائمة الإرهاب، ثم تأتي أنت وتقول: لا نريد تصنيف..هو سماكم المسلمين!!
ولا يشك عاقل بوجوب تمييز الحق من الباطل، ووجوب تجليته للناس من قبل أهل العلم، نصيحة لله، فإن الدين النصيحة!
"وقد قضى الله كونًا أن يقع في الأمة اختلاف ليميز الله الخبيث من الطيب، وهو واقع لا محالة لخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "... تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ..." [صحيح الجامع: 5342], وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على الميزان الشرعي الذي توزن به الأقوال والأعمال لضمان موافقتها للطائفة الناجية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا عليه وأصحابي " [صحيح الجامع: 5342].
فمن وزن أقواله وأعماله بهذا الميزان وضبطها به؛ لَحِقَ بالطائفة التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرينَ علَى الحقِّ، لا يضرُّهم مَن خذلَهُم، حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ" [رواه مسلم:١٩٢٠]"
وهذا هو معنى السلفية: فالسلفية معناها اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح..فهل يحق لك يا وسيم بعد ذلك أن تقول للناس دعونا من السلفية؟! بل وتضمها مع الشيعة والصوفية؟!
وقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسودُّ وجوه أهل البدعة والفرقة" [تفسير ابن كثير 2/92].
ثم تكتب في تويتر مستعطفًا ومدغدغًا لمشاعر الناس:
"أنا سلفي
وهو صوفي
وذاك شيعي
وهذا صوفي
بالله أخبروني فمن المسلم!!"
فأنا أخبرك من هو المسلم: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم,
وأما التخليط والتلبيس الذي بت تمارسه على الشاشات فليس من دين الله في شيء، بل هو محض الانتصار للنفس، وهو دليل ضعف البضاعة، وإلا كيف يليق بك وأنت تدعي العلم أن تقول:"نحن أتينا للقشور (إعفاء اللحية وتقصير الثياب) وتركنا الأصل (القلب)!!" وهذه المقولة مشتهرة عن دعاة الحزبية، وهي باطلة؛ فالإسلام ليس فيه لب وقشور، وقد تكلَّم العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بكلام علمي رصين عن هذه المسألة في شريط بعنوان: "لا قشور في الإسلام" وهو متوفر على الشبكة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أعفوا اللحى.."
وأنت تقول: لا نريد إسلامًا باللحى!!
ويقول: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه ما بينه وبين الكعبين.."
وتقول: لا نريد إسلامًا بتقصير الثياب!!
أهكذا تعظَّم سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
وكان المفترض أن تقول: نريد أن يصلح الناس بواطنهم كما يسعون لصلاح ظواهرهم.
ولا أخفيك أنني تعجبت كثيرًا من قولك: "هاجموني حينما حذرت من داعش وأن بعض الدعاة رفض مناصرتك ولو بكلمة!!،
وأنا لن أناقشك عن حقيقة ذلك الهجوم، ولا عن ذلكم الداعية المزعوم!
ولكني أعجب منك! كيف شككت بعد الحلقة في نفسك هل أنت على صواب أم خطا وجلست تبكي؟! كما صرحت بذلك!!
والمفترض أن يكون الحامل لك على التحذير من الدواعش هي العقيدة الراسخة لا مجرد العاطفة أو مجاراة للأمور الواقعة!!
وأعجب مما سبق قولك: أن داعشًا لم تخرج إلا بسبب الخلافات التي بيننا ووو..
وأنا أقول لك مستفهمًا: الذي يقول: لا تصنفوا الناس..هو سماكم المسلمين..ويرفض تمييز الطوائف الضالة من غيرها ألا يعد سببًا من أسباب ظهور داعش؟!
تحتاج أن تتأملها طويلاً..
واعلم يا وسيم أن كل هذه الطوائف التي خالفت الحق -والتي ترفض أنت تمييزها- كلها ترى حمل السيف على أمة محمد كما ذكر العلماء رحمهم الله..
قال البربهاري رحمه الله: "واعلم أن الأهواء كلها ردية، تدعو كلها إلى السيف"
هذه بعض الملاحظات على حلقتك, ولو أردت نقدها كلها لطال بيَّ المقام ولكن حسبي ما ذكرت..
فارجع لرشدك  يا وسيم, واعرف قدر علمك!!
فلا زلت في بداية الطريق ولا تغرَّنك الشهرة فتهلك!!
بقلم/ حمد بن دلموج السويدي
20/رمضان/1436هـ

07/يوليو / 2015م