الخميس، 29 أكتوبر 2015

من سير الصالحين..

جاءت امرأة إلى أبي الحسن السُرّي بن مغلس السقطي في دكانه تستنجد به لمساعدة ابنها؛ لأن الجند قد قبضوا عليه وتخاف أن يؤذونه، وسألته أن يذهب معها أو يرسل أحدًا ليكلم فيه السلطان،
فما كان من السُرّي إلا أن كبَّر وأطال في الصلاة،
فقالت المرأة: يا أبا الحسن اللهَ اللهَ فيَّ،
فسلَّم وقال لها: أنا في حاجتك،
يقول علاّن -وهو راوي القصة-: فما برحت المرأة حتى جاءتها امرأة تبشرها بأن الجند قد خلوا سبيل ابنها،
قال علاّن لأبي الطيب معقبًا على القصة: وإيش يتعجب من هذا؟!
اشترى السُرّي لوزًا بستين دينارًا ليتاجر فيه، وكتب عنده أن ربحها ثلاثة دنانير، فجاء مشتري وقال بكم تبيعني اللوز؟
قال: بثلاثة وستين دينارًا،
فقال المشتري: إن اللوز قد بلغ في السوق تسعين دينارًا!!
فقال السُرّي: قد عقدتُ بيني وبين الله عقدًا لا أُحِلُّهُ، ليس أبيعه إلا بثلاثة وستين دينارًا!!
فقال المشتري: إني قد عقدتُ بيني وبين الله أن لا أغش مسلمًا، لست آخذ منك إلا بتسعين!!
فلا المشتري اشترى منه، ولا السُرّي باعه!!
قال علاّن لأبي الطيب: كيف لا يُستجاب دعاء من كان هذا فعله؟!

[تاريخ بغداد ٩ / ١٨٨ باختصار وتصرف]

الأحد، 18 أكتوبر 2015

مرة أخرى: مغردونا إلى أين؟!!

إن ما نشاهده اليوم من بعض المغردين من تطاولٍ على الذات الإلهية أو تبرير ذلك بحجج واهية فلسفية، إضافة إلى رمي منتقديهم بكلمات بذيئة بل تشكيكهم حتى في الوطنية ليدل دلالة واضحة على ضحالة الفكر، ونقص في العقل، والبضاعة المزجاة، ومحبة الظهور والتصدر التي هي شأنهم في كثير من المواقف!،
وقد سلكوا -في نصرة آرائهم المستوردة وأهوائهم البائدة- منهج الإقصاء الذي رموا به غيرهم زورًا وبهتانًا، على حد قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت"، ولسان حالهم "القول قولنا ولا عبرة بقول من خالفنا!!"
في الوقت الذي يزعمون أنهم يحاربون الغلو والتطرف!
وأقول: بئست العقول والأفهام تلك التي لا تميز بين حق وباطل، وبين خطأ وصواب حين وصفت كل متدينٍ خالفها في جهالاتها بالتطرف!!
ولا عجب فهذه حال كل من جعل مطيته الجهل والهوى!!
ولو سبرت حالهم وتتبعت قالهم لعرفت أنهم هم أرباب الغلو والتطرف حقًا؛ إذ الغلو هو مجاوزة الحد، وهؤلاء قد تجاوزوا النصوص الشرعية واحتكموا إلى عقولهم الضعيفة وانحازوا لها وهذا هو التطرف!!
ففارقوا الوسطية التي صاروا ينادون بها مؤخرًا بدون فهم لمعناها ولا وعي لمقتضاها!!
فالوسطية في ميزانهم هي تمييع الدين بما يوافق الأهواء وتقديم العقل على النقل، وحرية الرأي حتى مع مقام الرب جل وعلا!! وغيرها من الضلالات..
والواقع أن الوسطية تعني العدل والتوسط في الأمور كلها بعيدًا عن الإفراط والتفريط، ولا يكون ذلك إلا بالتزام النصوص الشرعية وامتثال ما دلت عليه، وتحكيمها على العقول لا العكس!
وأهل الاستقامة ينطلقون من نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة فيما يتكلمون به من المسائل، بعيدًا عن الأهواء النفسية، أو المصالح الشخصية، أو التعصبات الحزبية!!
والواجب عليهم أن يحذِّروا الناس من السرطان الفكري الذي اعترى أولئك النفر؛ صيانة للشريعة، وحتى لا يلتبس الحق بالباطل، نصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم امتثالًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ ولِكِتَابِهِ ولِرَسُولِهِ ولأَئِمَةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ" فليس من النصيحة السكوت عن الخطأ خصوصًا إذا شاع وسط عامة الناس، فمن أخطأ أمام الملأ بُين خطؤه أمام الملأ نصحًا للأمة، وعلى هذا جرى أهل العلم في كل زمان..
قال الإمام مالك: ما منا من أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن المؤسف حقًا أن ترى العبارات النابية والأخلاق الدنيئة تصدر من بعض من يغرد لهذا الوطن الغالي -وإن كانوا في الحقيقة قلة-!!
وما يقع منهم من التشكيك في وطنية المتدين إذا خالفهم أو محاولة إلحاقه بالفئات الضالة كالسرورية والقاعدة وداعش وغيرها لأنه لم يوافق مزاجهم لهو أمر خطير وبذرة شر تتنافى مع وحدة الصف!! 
وأقول لهؤلاء: البيت متوحد ووطننا الغالي في غنى عن بذاءتكم وسطحية فكركم، ولا تظنوا ولاة أمورنا وفقهم الله في غفلة عمن يدافع عن البلاد نفاقًا أو لمصالح شخصية (الشهرة..ونحوها) ممن يدافع عنها بدافع العقيدة والدين؛ فلا يزال أهل الاستقامة يقررون في دروسهم عقيدة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف في المنشط والمكره، ويحذرون من فتن التحزبات ومن التيارات السياسية قبل أن يُظهروا عداءهم للدولة بعشرات السنين، فأين كنتم في تلك الفترة؟!!
وما هي جهودكم في التحذير من تلك التحزبات؟!!
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ***من اللوم أو سدّوا المكان الذي سّدوا
فنصيحتي لك أيها المغرد أن تدافع عن وطنك بالحكمة والحجج الناصعة والأخلاق الفاضلة فهذا الذي كان يحبه زايد طيب الله ثراه، واحذر أن تقحم نفسك  فيما ليس من اختصاصك، وتحاكم الناس إلى فهمك، ولا يحملك بغضك لبعض المسلمين -ممن انحرفوا عن الصراط المستقيم كالإخوان المفسدين وغيرهم من فرق الضلال- على أن تظلم وتنسب كل متدين لفكرهم وتطرفهم جزافًا!!
فإن هذا تشويه للدين وإضلال للمسلمين، ومن يبقَ للناس إن كان كل من لم يوافق تلك الأهواء المريضة عُدَّ متطرفًا؟!
ووصف خطابه بالتشدد!!
أيعقل أن يكون التمسك بالنصوص الشرعية تطرفًا؟!
أم هل يعقل أن يكون مرجع الناس في تمييز المتطرف من غيره بعض الجهلة الأغمار ممن ليس لهم في العلم قدم ولا ساق؟!
وهذا في الحقيقة هو عين ما تصبوا إليه الليبرالية وأشياعهم فهم يصطادون في الماء العكر فاحذر أيها المغرد من الانخراط معهم في ذلك المسلك المظلم ولا تبغِّض الناس في دينهم!!
وقد ظهرت آثار هذا المسلك في بعض ردود أفعال من يغرد للوطن من عدم التمييز بين أهل الحق والباطل فتراهم يتولون من يوافق أهواءهم ولو كان من أئمة الضلال والإلحاد!! ويعادون أهل الاستقامة لعدم مطابقة هواهم، وقد سبق بيان خطر هذا المسلك في المقال السابق (مغردونا إلى أين؟!) بما يغني عن إعادته هنا.
وختاما أقول: الوطنية كلمة جميلة المباني عميقة المعاني تضم في طياتها المحافظة على الأمن والاستقرار والسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الجبار، والذي تحمله عقيدته على الدفاع عن وطنه ستجده ثابتًا في مواقفه في المنشط والمكره بخلاف من تتجارى بهم الأهواء فليس لهم قرار ومصداق ذلك أنهم صاروا يعرفون ما كانوا ينكرون وينكرون ما كانوا يعرفون، فبالأمس القريب كان البعض يذم الليبرالية واليوم تجده يتولاهم وينطق بمنطقهم من يحيث يشعر أو لا يشعر فنسأل الله الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه وأن يسلمها من شر كل حاقد  مدسوس..إنه ولي ذلك والقادر عليه..
بقلم/ حمد بن دلموج السويدي