السبت، 28 يونيو 2014

تنبيه مهم بشأن نية الصيام لشهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن البعض يتناقل رسائل يحث فيها الناس على النية للصيام في شهر رمضان ويدعوهم إلى التلفظ بها قائلا: قولوا نويت أن أصوم...الخ
- وهذا لا شك أنه مجانب للصواب ولما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؛ إذ لو كان هذا الأمر مشروعًا لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
- وعقد نية الصيام من العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يبيِّتِ الصِّيامَ منَ اللَّيلِ فلا صيامَ لَه"  [النسائي ٢٣٣٣ ]
- ومعنى النية القصد إلى الشيء، فكل من علم أن غدًا من رمضان وهو يريد صومه، فقد نوى صومه، وقد نص على ذلك شيخ ابن تيمية في الفتاوى (25/215)
- فهذه هي حقيقة النية ولا مزيد عليها، أما التلفظ بها فهو بدعة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد أصحابه أنه فعلها البتة!!
- والأصل في العبادات المنع حتى يأتي الدليل على المشروعية، ولم يأتِ دليل على التلفظ بها فدل على أنها بدعة!!
"..وكل بدعة ضلالة" كما قال صلى الله عليه وسلم.

- واختلف العلماء: هل تكفي نية واحدة للشهر كله أم يشترط لكل يوم نية مستقلة؟
والجواب: تكفي نية واحدة في بداية الشهر-قبل دخول فجر أول يوم من رمضان- ما لم يحصل انقطاع في تتابع الصوم على الصحيح من قولي العلماء، فإن قطع صومه لمرضٍ أو سفرٍ ونحوه فيستأنف النيَّة لبقية الشهر.
-فالنيَّة وإن لم تقع في كل ليلةٍ حقيقةً، فهي واقعةٌ حكمًا؛ لأن الأصل عدم قطع النية، ولا يسع الناس العمل إلا بهذا وهذا اختيار العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/356)
- ومجرد القصد إلى السحور قائمٌ مقام تبييت النية عند من اعتبر التبييت لكل ليلة.
وختاما أسأل الله أن يبارك لنا في رمضان وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام وقراءة القرآن وكل عام وأنتم بخير..

كتبه أخوكم/ حمد بن دلموج السويدي

الاثنين، 9 يونيو 2014

طاعة ولاة الأمور بعيدًا عن غلو الغالين وجفاء الجافين!!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن المحافظة على الأمن والاستقرار هو مطلب أساسي تسعى له البشرية جمعاء على اختلاف طوائفها ومللها، ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية جاءت بما فيه خيري الدنيا والآخرة، وإن من أعظم الأصول الإسلامية التي تكفل وجود الأمن والمحافظة عليه هو السمع والطاعة بالمعروف لولي الأمر المسلم برًا كان أو فاجرًا، والنصوص الشرعية قاطعة بذلك؛ إذ لا يستقيم أمر الناس ولا تحفظ دماؤهم ولا أعراضهم ولا تؤَّمن السبل ولا تقام شعائر الله كالجمع والجماعات إلا بوجود أمن، ولا أمن إلا بوجود إمام يسوسهم مهما كان ظالما، والواقع خير برهان على ذلك.
ومما يؤكد أهمية هذا الأصل العظيم مسارعة الصحابة في تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومبايعته ليكون خليفة للمسلمين حال تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه.
وقد تظافرت النصوص الشرعية على هذا الأصل العظيم كقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]
فالله عزوجل أمر بطاعة ولاة الأمور ولم يجعلها مشروطة بصلاحهم، وتكرر الفعل {أطيعوا} في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} إشارة إلى أن طاعة الله ورسوله طاعة مطلقة، وحذف الفعل في قوله {وأولي الأمر منكم} وأكتفى بالعطف، إشارة إلى أن طاعة ولاة الأمور إنما هي طاعة مقيدة، وقد جاء تقييدها في قوله صلى الله عليه وسلم: " لاَ طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ " [رواه مسلم: 4871]
ومن النصوص العظيمة في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: " يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ "
قال الراوي: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟
قال: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ " [رواه مسلم: ١٨٤٧]
وقوله صلى الله عليه وسلم : "ستكونُ أثرَةٌ وأمورٌ تُنْكِرُونَها",
قالوا : يا رسولَ اللهِ فما تَأْمُرُنا؟
قال : "تُؤَدُّونَ الحقَّ الذي عليكم، وتَسْأَلونَ اللهَ الذي لَكُمْ" [البخاري: ٣٦٠٣]
قلت: والحق الذي علينا هو السمع والطاعة في غير معصية الله.
فهذه نصوص واضحة بينة لا يتطرق إليها أدنى احتمال، فهي من المحكمات في هذا الباب التي يُرد إليها المتشابه ليتضح معناه، كما هي طريقة الراسخين في العلم، وأما أهل الزيغ ومرضى القلوب فيغضون الطرف عنها ويتشبثون بالنصوص المشتبهة لأجل فتنة اتباعهم كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧]
فكن على طريق الراسخين ولا تحد عنه فتزيغ وتكون من الجاهلين.
وولاة الأمور لا يخلو حالهم من أحد هذه الأحوال:
١- أن يكون مسلمًا عادلاً فهذا تجب طاعته ويحرم الخروج عليه بلا خلاف.
٢- أن يكون مسلمًا ولكنه عاص أو ظالم فهذا تجب طاعته ويحرم الخروج عليه ما دامت معصيته لا تخرجه عن دائرة الإسلام، كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: " أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ : إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " [البخاري: ٧٠٥٦]، فبايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ولو استأثر الولاة بالدنيا وأمر ألا ينازعوا بسبب ذلك، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حالة واحدة وهي النقطة التالية.
٣- أن يكون كافرًا أو خرج منه كفر بواح، كما في تتمة حديث عبادة بن الصامت: "... إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" [البخاري: ٧٠٥٦]
قال البغوي في شرح السنة (١٠ / ٤٧): "بواحا" أي: جهارا، يقال: باح بالسر، وأباحه: إذا جهر به، وقوله: " عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " أي: آية أو سنة لا تحتمل التأويل"
فمثل هذا لا سمع له ولا طاعة وتجب إزالته بشرط القدرة على ذلك من غير سفك للدماء؛ لأن حرمة الدماء عظيمة عند الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ " [الترمذي: ٢٦١٩]
وأنبه إلى أمر مهم وهو أن الحكم على المعين بالكفر ليس لآحاد الناس -لاسيما الجهلة الأغمار- وإنما هو لأهل العلم الراسخين.
ومما يؤسف له جرأة حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ممن لا قدم لهم في العلم ولا ساق!! على هذه المسائل الكُبّار بدون زمام ولا خطام فيضلون أنفسهم ويضلون غيرهم وقد قال صلى الله عليه وسلم:"... وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " [رواه مسلم: 9601] !!.
وقال صلى الله عليه وسلم: " أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ " [رواه مسلم:225] فالواجب الحذر.
وطاعة الولاة الظلمة أو الفسقة ومنع الناس من الخروج عليهم ليست دليل المحبة لهم كما يتوهمه قاصرو العلم أرباب الهوى ويشيعونه بين الناس!! إنما يطاعون لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولأن المصلحة في طاعتهم أعظم من الخروج عليهم, لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (3/391) : "ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته"
وأما محبتهم فهي بقدر ما عندهم من إيمان، وبغضهم بقدر ما عندهم من المعاصي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ وَتُبْغِضَ فِي اللهِ " [رواه أحمد: 6 /318]
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخروج على الولاة الظلمة كما في حديث عوف ابن مالك عن سول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ،
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ ؟
فَقَالَ:"لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ" [رواه مسلم: 4832]
وقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " [رواه مسلم: 4821]
والخروج على الولاة يكون بالكلمة كما يكون بالسيف، بل ليس هناك خروج بالسيف إلا وتسبقه كلمة.
ويحرم التشهير بزلات الولاة  ونشر معايبهم على المنابر أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة ودفن حسناتهم, بل الواجب نصيحتهم في السر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلاَ يُبْدِ لَهُ عَلاَنِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ " [رواه أحمد: 5 /287 ]
وهو أفضل الجهاد  لقوله صلى الله عليه سلم لمن سأله: أي الجهاد أفضل؟ قال : " كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ" [رواه أحمد 4 / 315]
فقال: "عند" ليس من وراء ظهره كما يفعل الجبناء اليوم في وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللهُ" [رواه الترمذي: 2224]
هذا هو منهج أهل السنة والجماعة في باب طاعة ولاة الأمور بعيدًا عن غلو الرافضة في تقديس ولاتهم ومن نحا نحوهم, وعن جفاء الخوارج ومن نحا نحوهم في تسفيه ولاتهم والخروج عليهم.
وختامًا أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يصلح أحوالهم والحمد لله رب العالمين.
كتبه/ حمد بن دلموج السويدي
11/شعبان/1435 هـ
09/يونيو / 2014 م