السبت، 10 مايو 2014

{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن البرق والرعد والصواعق من آيات الله الدالة على عظمته سبحانه والتي يرسلها الله عز وجل تخويفًا للناس وتذكيرًا لهم بعظمته وقوته وجبروته جل وعلا كما قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا
وقد أخرج ابن أبي عاصم في السنة (٦٩٢): عن أنس رضي الله عنه قال: أرسلَ رسولُ اللَّهِ رجلًا مِن أصحابِهِ إلى رأسِ المشرِكينَ يَدعوهُ إلى اللَّهِ تعالى فقالَ المشرِكُ: هذا الَّذي تَدعوني إليهِ من ذَهَبٍ أو فضَّةٍ أو نُحاسٍ؟!
فتعاظمَ مقالتُهُ في صدرِ رَسولِ رسولِ اللَّهِ فرجعَ إلى رسولِ اللَّهِ فأخبرَهُ فقالَ: ارجِع إليهِ .
فرجعَ إليهِ بمثلِ ذلِكَ وأرسلَ اللَّهُ علَيهِ صاعقةً منَ السَّماءِ فأَهْلَكَتهُ ورسولُ رسولِ اللَّهِ في الطَّريقِ لا يَدري، فقالَ لهُ النَّبيُّ: " إنَّ اللَّهَ قد أَهْلَكَ صاحبَكَ بعدَكَ" ونزلَت علَى رسولِ اللَّهِ {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} [صححه الألباني]
ومما يؤسف له أن تمر على الإنسان مثل هذه الآيات العظيمة ولا يزداد إيمانه، بل ربما نحى بها منحى أهل الدجل والخرافة كمن علق على صورة البرق الذي ضرب برج الساعة بمكة قبل أيام وقال:
"الصاعقة التي ضربت برج الساعة بمكة رسمت خارطة فلسطين رسما دقيقاً..!!"
وهذا والله من الخرافة والدجل وسفاهة العقول!!
فلا يلفت لمثل هذه التفاهة، بل الواجب على المؤمن أن يتفكر في هذه الآيات العظيمة التي تثمر في قلبه كمال الذل والخضوع لرب العزة، والخوف منه الذي يثمر ملازمة التقوى في السر والعلانية، وقد كان عبدالله بن الزبير رضي الله عنه إذا سمِعَ الرَّعدَ تركَ الحديثَ وقال: سبحان الَّذي { يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } [ الرعد : 13 ] ثمَّ يقولُ : إنَّ هذا لوعيدٌ شديدٌ لأهلِ الأرض" [صححه الألباني في الأدب المفرد ٥٥٦]
وختاما أسأل الله أن يصلح قلوبنا وأن يهدينا سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.

كتبه أخوكم /
حمد بن دلموج السويدي
12/ رجب / 1435
11/ مايو / 2014

الاثنين، 5 مايو 2014

مقدمة مهمة في بيان حقيقة الشرك وأنواعه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:فإن من تمام المعرفة بالشيء أن تعرف ضده ونقيضه كما قال الشاعر: ...وبضدها تتميز الأشياء
فمن تمام المعرفة بالتوحيد أن تعرف ضده وهو الشرك حتى تسلم من الوقوع في براثنه وشباكه.
ومعرفة الشر والسؤال عنه مسلك شرعي دلت عليه السنة النبوية كما في حديث حذيفة بن اليمان قال: "كان الناسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الخيرِ ، وكنتُ أسأَلُه عنِ الشرِّ ، مَخافَةَ أن يُدرِكَني.." [رواه البخاري ٧٠٨٤]
وهو من باب:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه***ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
وحقيقة الشرك: أنه تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله.
وهذه التسوية قد تكون من كل وجه، وقد تكون من وجه دون وجه، فالتسوية من كل وجه هى الشرك الأكبر والتسوية من وجه دون وجه هي الشرك الأصغر وسيأتي بيانه.
وحقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق وتشبيه المخلوق به. [الداء الدواء ص136]
يقول العلامة صالح الفوزان حفظه الله: "والغالب أن الإشراك يقع في الألوهية؛ بأن يدعو مع الله غيره، أو يَصرفَ له شيئًا من أنواع العبادة، كالذبح والنذر، والخوف والرجاء والمحبة.
والشركُ أعظمُ الذنوب [وأخطرها على الإطلاق]؛ وذلك لأمور:
1- أنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فمن أشرك مع الله أحدًا فقد شبهه به، وهذا أعظم الظلم، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] .
والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك أعظم الظلم.
٢- أن الله أخبر أنه لا يغفره لمن مات عليه من غير توبه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .
٣ - أن الله أخبر أنه حرَّم الجنة على المشرك، وأنه خالد مخلد في نار جهنم، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: ٧٢] .
٤ - أنَّ الشركَ يُحبطُ جميعَ الأعمال، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] .
٥ - أنَّ المشرك حلالُ الدم والمال، قال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: ٥] .
٦ - أنَّ الشركَ أكبرُ الكبائر، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ... » الحديث [البخاري: 2653].
٧ - أنَّ الشركَ تنقص وعيب نزَّه الرب سبحانه نفسه عنهما، فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزَّه نفسه عنه، وهذا غاية المحادَّةِ لله تعالى لله تعالى. [عقيدة التوحيد ص٧٤- ٧٦ باختصار ]
وقد بين الله تعالى وحدانيته في كتابه ونفى كل أنواع الشرك عن نفسه وكل ما كان طريقًا إليه كما جاء في سورة سبأ في قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 - 23]
يقول ابن القيم رحمه الله : "فتأمل كيف أخذت هذه الآية على المشركين مجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسدت بها عليهم الباب أبلغ سد وأحكمه، فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه، وإلا فلو كان لا يرجو منفعة منه فلا يتعلق قلبه به أبدا.وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود إما مالكا للأسباب التي ينتفع بها عابده، أو شريكا لمالكها، أو ظهيرا أو وزيرا أو معاونا له، أو وجيها ذا حرمة وقدر، يشفع عنده فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك وانقطعت مواده، فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات والأرض.فقد يقول المشرك: هي شريكة للمالك الحق، فنفى شركها له.فيقول المشرك: قد تكون ظهيرا أو وزيرا، أو معاونا. فقال: {وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} ولم يبق إلا الشفاعة فنفاها عن آلهتهم، وأخبر أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه فإن لم يأذن للشافع لم يتقدم بالشفاعة بين يديه..."[مختصر الصواعق المرسلة ٩٤]
وينقسم الشرك إلى قسمين:
القسم الأول: الشرك الأكبر وهو صرفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله.
مثل:
١- دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
٢- الذبح والنذر تقربًا لأصحاب القبور أوالجن أو الطواف حول القبور أوالعكوف عندها على سبيل القربة.
٣- الخوف من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وكذا الرجاء وطلب قضاء الحاجات، وتفريج الكُربات، مما يُمارسُ حولَ الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين وغيرها.
القسم الثاني: الشرك الأصغر هو ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك ولم يبلغ درجة الشرك الأكبر،ويدخل في هذا الباب: جعل الشيء سببًا وهو ليس سببًا لا شرعًا ولا قدرًا،وبعض أهل العلم يُدخل فيه كل ما كان وسيلة وذريعة للشرك الأكبر من باب أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
والشرك الأصغر قسمان:
القسم الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح :
١- الشرك الظاهر على اللسان وهو الواقع في الألفاظ دون الاعتقاد:
كالحلف بغير الله، قال  صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [رواه أحمد ٧ / ١٩٩ وصححه أحمد شاكر].
وكقول: ما شاء الله وشئت، قال - صلى الله عليه وسلم -: لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: «أجعلتني لله نِدًّا؟ ! قُلْ: ما شاءَ الله وحده» [السلسلة الصحيحة ١٣٩]
ومثله قول: لولا الله وفلان،
وما لي إلا الله وأنت،
وهذا من بركات الله وبركاتك.
والصوابُ أن يُقالَ: ما شاءَ الله ثُمَّ شاء فلان، ولولا الله ثُمَّ فلان وهكذا؛ لأن (ثُمَّ) تفيدُ الترتيب مع التراخي، وتجعلُ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] .
وأما الواو: فهي لمطلق الجمع والاشتراك، لا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا.
٢- الشرك في الأفعال مثل: لبس حلقة أوخيط لرفع البلاء أو دفعه، وتعليق التمائم خوفًا من العين وغيرها؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه، فهذا شرك أصغر؛ لأنها أسباب وهمية والله لم يجعلها أسبابًا لا شرعًا ولا قدرًا،
أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه تَعلَّق بغير الله [وقد سبق بسط هذه المسألة في مقال سابق بعنوان: أنواع التمائم وأحكامها].
القسم الثاني من الشرك الأصغر: شرك خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات:كالرياء، والسمعة، بأن يعمل عملًا مما يُتقّرب به إلى الله؛ ولكنه يريد به ثناء الناس عليه،كمن يُحسِّن صلاته لأن فلانًا ينظر إليه،أو يتصدق؛ لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه،أو يتلفظ بالذكر ويحسِّن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس، فيُثنوا عليه ويمدحوه.وهذا الباب خطير ولذلك خاف النبي صلى الله وسلم على أصحابه منه فقال: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال:"الرياء" [السلسلة الصحيحة ٩٥١]
فصل: الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
دلت النصوص الشرعية على وجود فرق بين الشرك الأكبر والأصغر وهي:
1- الشرك الأكبر: يُخرج من الملة، والشرك الأصغر لا يُخرج من الملة، ولكنه ينقص التوحيد.
2- الشرك الأكبرُ يخلَّدُ صاحبه في النار، والشرك الأصغر لا يُخلَّد صاحبُه فيها إن دَخَلها.
3- الشركُ الأكبرُ يحبطُ جميعَ الأعمال إذا مات عليه من غير توبة، والشركُ الأصغرُ لا يُحبِطُ جميع الأعمال، وإنما يُحبِطُ العمل الذي خالطه فقط.
4- الشرك الأكبر يبيح الدم والمال، والشرك الأصغر لا يبيحهما.
[عقيدة التوحيد للعلامة الشيخ صالح الفوزان- بتصرف ]
وختامًا: يجب على الموحِّد أن يخاف على نفسه من الشرك كما خاف نبي الله إبراهيم على نفسه وذريته من بعده فدعا ربه قائلا: {واجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥] ويجب اجتناب كل سبيل يوصل لذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ".. والذي نفسي بيدِه، لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ وكثيرهُ ؟
قل: اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك وأنا أعلمُ ،وأستغفِرُك لما لا أَعلمُ" [ صحيح الأدب المفرد ٥٥١ ]
فينبغي المحافظة على مثل هذا الدعاء والله المستعان والحمد لله على التمام.
بقلم أخيكم/
حمد بن دلموج السويدي
٠٦ / رجب / ١٤٣٥ هـ
٠٥ / مايو / ٢٠١٤ م