السبت، 30 يوليو 2016

مرة أخرى: على رسلك يا وسيم !!

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
لما رأيتك قد أثبتَّ تغريدة كتبت فيها: (أنا حاليا أنتقد كثيرا من آرائي في الماضي وأراها خاطئة وسوف أنتقد مستقبلا كثيرًا من الآراء التي أتبناها اليوم وسأضحك عليها لا قدسية لآرائي) رأيت أن أساندك في كشف بعض آرائك المغلوطة علَّك أن تُعجِّل (بالضحك عليها!!) والتراجع عنها (ونقدها!!) حتى لا يفتتن بها الناس؛ فإن الدين النصيحة والناس (ليسوا فئرانًا لتجاربك!!) التي هي في الحقيقة ضريبة التعجُّل!!
فمن تعجَّل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه..
وسأتناول بعض كلامك وأعرض عن بعض؛ لأن اللبيب تكفيه الإشارة..
بادئ ذي بدء أقول: لا يحسن بك وقد تصدَّرت لدعوة الناس أن تشابه في منطقك منطق أعداء الدين من الليبرالية وغيرهم وتتغنى بمصطلحاتهم كالتنوير والفكر الظلامي ونحوها مما يُقصد به الطعن في الدين وأهله، وإن كنت تقصد بها غير الذي يقصدون؛ فإن الله عزَّ وجل قد نهى المؤمنين عن قول: {راعِنَا} مع أنها من الكلمات المتداولة عندهم ولكن لما كان اليهود يستخدمونها للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم الله عنها بقوله: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ راعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا} فكيف بالمصطلحات التي هي من نسج أعداء الدين أصلا؟!!
والمشابهة في الظاهر تدعو إلى المشابهة في الباطن وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" [صحيح الجامع 6149] فكن على حذر.
قلت في تغريدة: (كل من ينتمي لجماعة دينية فهو متحزب وإن أنكر!!)
وأقول: عفا الله عنك!!
فهذا التعميم خاطئ وهو نابع عن تصور مغلوط لمعنى الحزبية!!
والواقع أن كل من نصَّب شخصًا غير النبي صلى الله عليه وسلم يوالي ويعادي على أقواله المجردة المخالفة للكتاب والسنة فهو الحزبي..
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم افتراق الأمم قبلنا وبين أن أمته ستفترق فقال: " وأمتي [أي: ستفترق] على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة"
فقالوا: يا رسول الله وما هي؟
وفي رواية، فقيل له: من الواحدة؟
فقال: "ما أنا عليه وأصحابي" [رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1 / 147(]
فهذا إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للطريق القويم الذي يكفل لصحابه أن يلحق بتلك الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
فإما أن تنتسب لها وتسير على نهجها أو تخالفها ليس هناك خيار ثالث!!
فهل يُعد من انتسب إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حزبيًا؟!
لا أظن عاقلًا يقول ذلك!!
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق. فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا.." مجموع الفتاوى (4 / 149(
ولعل تقريرك السابق هو الذي حملك على ادعاء (الاستقلالية!!) في قولك:
)الحمدلله الذي أنعم عليّ باستقلالية الفكر والمنهج، فلا أنتمي لأي حزب أو طائفة...)
وهذا أمر جد خطير!!
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" [رواه البخاري 7311]
وأنت تدعي الاستقلالية وتقول: لا أنتمي لطائفة!!
أخي وسيم..
ألا تدري بأن دين الله مبني على الاتباع وليس الابتداع؛ والله عزَّ وجل يقول: {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًا} فسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة ومن اتبعهم بإحسان الذي أشار له النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرته لك آنفًا فراجعه تزدد علمًا وكن حذرًا فإن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية..!!
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم!!"
ودعوى الاستقلالية هذه هي في ظني جعلتك تقول: أن (وراثة الفتوى هي أعظم مشكلة تواجهنا كمجتمع إسلامي)
وأقول: بل تصّدر أنصاف المتعلمين للفتوى على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي هي المشكلة الكبرى التي تواجهنا في العالم الإسلامي لقول الله تعالى لما عدَّ المحرمات: {..وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فما ظهرت الأقوال الشاذة ولا الانحرافات الفكرية إلا بسبب هذا التعجّل الذي دافعه الهوى!!
واعلم أن قولك "وراثة الفتوى هي المشكلة" فحواه التزهيد في العلماء السالفين بل والتشكيك فيهم!!
وصرف أنظار الناس عنهم لتخلوا الساحة بعد ذلك للعابثين!!
وإلا فما الحاجة لعملك ذلك الاستفتاء الذي تقول فيه: (هل تؤيد نقد ومراجعة الفتاوى المنتشرة؟!
لأن الناصح حقًا ينقد الأقوال المخالفة للحق بعدل وإنصاف ديانةً من باب "الدين النصيحة" ليس ما من باب: ما يطلبه المتابعون!!
وقد قال الإمام مالك: "ما منا من أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر" وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قولك: (فلا تأتي ترث الإسلام بأحكامه بفقهه بتقاليده وتأتي تعلمني إياه..أريد أنت بعقلك ماذا فهمت من الإسلام أن تفهمني وتعلمني إياه(
قلت: هذا لعمر الله من أعظم أسباب اختلاف الناس "وإعجاب كل ذي رأي برأيه" وتفرقهم {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}
فالعقول تختلف والأفهام تتفاوت فأنت لك فهم وأنا لي فهم وليس فهمك بأولى من فهمي وكذا العكس..فبأيهم نأخذ؟!!
ألا تعلم بأن أرباب التكفير -كداعش والنصرة والقاعدة وغيرهم- لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الغلو في التكفير إلا لما استقلوا بأفهامهم عن فهم السلف الصالح وراحوا يفسرون النصوص بعقولهم؟!!
أليس في هذه الدعوى فتح باب شر على المسلمين؟!! 
اعلم أخي أن العصمة في اتباع فهم السلف الصالح من الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعرفوا أسبابه وفهموا معانيه ومن أخذ عنهم من التابعين وتابعيهم أهل القرون المفضلة الذين خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية بقوله: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.." ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين فاتبعهم تكن من المهتدين.
أما قولك: (حرموا زراعة الكلى، حرموا التصوير...ثم تبدلت فتواهم...عذرا لسنا فئران لتجاربكم(
لا أدري أخي وسيم كيف نوفِّق بين هذا الكلام وكلامك الآخر: (أنا حاليا أنتقد كثيرا من آرائي في الماضي وأراها خاطئة...)!!
كيف تُشنِّع على أهل العلم إذا تغيرت آراؤهم في بعض المسائل الفقهية التي يسع فيها الخلاف وتعتذر لنفسك!!
ألا تعلم بأن تغير الفتوى في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها لا يُذم به صاحبه مالم يكن الحامل له على ذلك الهوى!!
فقد كان للإمام أحمد في بعض المسائل  قولان وأكثر وكذا الشافعي من قبله وبقية الأئمة الربانيين من بعدهم ولم يُذموا بذلك!!
بل عُدَّ ذلك من مناقبهم.
أما المتعالمون فتختلف أقوالهم بحسب أهوائهم ومصالحهم فهم محل للانتقاد.
ومن عجيب ما قرأته أنك تقول: (يخشون المرأة!
إن خرجت فتنة!
وإن عملت فتنة!
وإن تكلمت فتنة!
وإن تكحلت فتنة!
يا سيدي اعترف أنك ضعيف أمام المرأة وانتهى(
لا أدري كيف تجرأت على مثل هذا الكلام وأنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" [رواه البخاري 5096]
ألست أنت القائل: بـأن الماعز لو ألبس النقاب مع الكحل يصبح فتنة؟!
وهل نسيت قولك: أن (النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذر من فتنة النساء هذا في عصره ما كان يوجد بوتكس وموتكس....ومع هذا كان يحذر من فتنة النساء فكيف بعصرنا نحن(
ما الذي جرى لك يا رجل؟!!
ولعلمك هذه المسائل ليست من قبيل المسائل التي يدخلها الاجتهاد وتتبدل فيها الأقوال!!
أيعقل أن تقول متهكما: (نصف فتاوى المرأة من باب حماية الرجل منها!! وسد باب الذرائع!! إذا امنعوا الرجل من السفر..)
وأنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي أمته بقوله: "...فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" [رواه مسلم]
ولم تقتصر على ذلك بل صرت تنال ممن ينتقدك على ذلك وتصفه بالضعف، أو عنده فوبيا المرأة ووو...إلخ من العبارات التي سقوطها يغني عن إسقاطها.
عموما لن أطيل أكثر فما تقدم فيه كفاية ويحصل به المقصود وليكن في علمك أنني معك في حربك على الإخوان المفلسين وكل متطرف باسم الدين لكني لست معك في هذا الخلط الذي بينت لك بعضه فيما تقدم والمسلم مرآة أخيه..
ختاما أسأل الله أن ينور قلبك ويصلح حالك ويسددك في أقوالك وأفعالك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كتبه

حمد بن دلموج السويدي