الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

نصيحة أخوية في زمن الغربة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فهذه كلماتٌ يسيرة كتبتها نصيحة لنفسي ولإخواني من طلبة العلم ممن تشاغلوا وانشغلوا عن التأصيل العلمي والدعوي، وشغلوا جل أوقاتهم في تتبع الردود والأقاويل، فصارت مجالس كثير منهم من أولها إلى آخرها في هذا الباب فقط، وواقع بعض المجموعات الدعوية (الوات ساب وغيره) واقعٌ مرير، من غياب للحكمة، وإلغاء لمبدأ الرحمة، والمسارعة في التهمة وغير ذلك من الآفات الضارة!!
وهذا لا شك أنه خلاف المقصود من هذا الباب العظيم، وخلاف ما عليه العلماء قديمًا وحديثًا..
ولا تظن أيها القارىء أني أزهِّد في باب الجرح والنقد المشروع!!
فشأنه عظيم وتضييعه هو في الحقيقة تضييع للدين، ولذلك قال ابن سيرين: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"..
ولكن لا بد أن يُعلم أن باب الردود والجرح هو باب من أبواب العلم وليس هو العلم كله!!
وحري بطالب العلم أن يشتغل بالتأصيل العلمي على ما قرره أهل العلم من التدرج في العلوم، ويدع الردود لأهلها؛ فهذا الباب لا يصلح الكلام فيه إلا من خواص أهل العلم وطلابه الحذاق الذين تنطبق عليهم شروطه..
وحري بالمبتدئ أو غير المؤهل ألا يُقحم نفسه فيما لا يحسنه ولا ينشئ الكلام والتحذير من تلقاء نفسه!!
بل الواجب عليه أن ينقل كلام أهل العلم من دون أن يزيد فيه أو ينقص أو يتكلف تأويله بما يوافق مراده وهواه أو أن يصحب النقل بالاستهزاء فإن هذا محرم ولو كان المحذر منه من أئمة الضلال!!
ووقتك يا مسلم اصرفه في الأوجب والأنفع لدينك ونفسك..
وقد قيل لمالك بن أنس رحمه الله: ما تقول في طلب العلم؟
قال: حسن جميل، ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تُصبح إلى حين تمسي فالزمه. [صفة الصفوة ٢ / ٥٠٤]
وقد يقول قائل: ما هو موقف طالب العلم من من هذه الردود؟
فأقول: موقفه بحسب ما استبان له من كلام أهل العلم ومن معرفته بحال المتكلم فيه وهل ما نُقل عنه صحيح أم لا؟ بعيدًا عن العواطف والمجاملات!!
وليتق الله في هذا الباب، ولا يحمِّل نفسه ما لا تطيقه يوم القيامة من الخوض في أعراض أهل العلم أو حتى غيرهم بالهوى والتشفي بعيدًا عن المقصد الأساسي وهو النصيحة لله، وقلَّ من يسلم له ذلك، فالواجب الحذر..
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له، والشفقة عليه، والغيرة له؛ وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورأفة، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه، والإحسان إلى خلقه" [كتاب الروح ٤٤٢]
وهذه المسائل ينبغي أن يكون الناظر فيها منصفًا لاسيما في الخلاف الدائر بين دعاة السنة أنفسهم (بين مجرِّح ومعدل)، وألا يُلزم أحد الآخر بقبول ما يعتقده صوابًا؛ فهذه المسائل اجتهادية، والدليل هو الفيصل فيها لا الأشخاص!!
ولا يُفهم من كلامي أن أهل العلم الذي تكلموا في بعض إخوانهم ليس عندهم إنصاف!!
حاشا وكلا!!
ولكن غالب ما يحدث الآن من التحريش بين أهل العلم من جراء نقل الكلمات التي قيلت في مجالس خاصة وفي ظروف معينة، أو انتزعت من سياقها وفصلت عن سباقها ولحاقها أو نقلت بالمعنى الذي فهمه الناقل مما قد يحيل المعنى فيقع التحريف من هذه الجهة ولربما صاحب ذلك سوء نية، أو أيدٍ مندسة خفية!!
أو غير ذلك..
فتعظم المصيبة ويا لها من بلية!!
وصدق من قال:
وما آفة الأخبار إلا رواتها..
فأوصي نفسي وإخواني من طلبة العلم بحسن الظن بإخوانهم، وأن يتجنبوا الطعن في نية كل من خالفهم من إخوانهم أو رميهم بإتباع الهوى؛ فلعل ما تظنه اليوم حقًا وتنافح عنه يستبين لك بعد مدة أنه خلافه،
ليس ذلك لاختلاف الأصول ولكن التنزيل؛ فالأصول ثوابت، وأما التنزيل فهو محل اجتهاد ونظر، فقد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، وما وسع العلماء يسع من بعدهم!!
وأعلم أن العلماء في ذلك بين أجر وأجرين، وما عداهم إن سلم من الإثم فليحمد الله.
وأختم بكلام عظيم النفع للخطيب البغدادي في كتابه المتفق والمفترق (١/ ١١١) في ذكر الخلاف في شيخ مالك هل هو عبدالملك بن قرير أو عبدالملك بن قريب قال:
" فإذا كان يحيى بن معين لم يسلم من الوهم مع ثبوت قدمه في هذا العلم لأدنى شبهة دخلت عليه من قبل كلام وقع إليه فكيف يكون حال من هو دونه"
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.

وكتبه أخوكم/
حمد بن دلموج السويدي
21/ صفر / 1435

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق