الاثنين، 10 يونيو 2013

شهر شعبان حكمٌ وأحكام


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فـلما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام, وقراءة القرآن, كما قال ابن رجب رحمه الله, ففيما يلي جملة مختصرة من الأحكام والحكم لشهر شعبان أسأل الله أن ينفع بها:

♣الحث على التوبة في هذا الشهر وترك التشاحن

* قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " [رواه ابن أبي عاصم في السنة 513 وصححه الألباني].
◄ والحكمة من هذا الحديث والله أعلم هي حث الناس على المبادرة إلى التوبة من الذنوب لاسيما أعظمها وهو الشرك والكفر, فكما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان, فكذلك الذنوب كلها من شعب الكفر فبادر بالتوبة ولا تسوف.
◄ المشاحن: من الشحناء وهي الحقد والعداوة, فيجب على المسلم أن يطهر قلبه من هذه الأخلاق الدنيئة, وأن تكون محبته لله وبغضه في الله وليس لأمور نفسية, أومصالح شخصية أو حزبية!!
◄ ويدخل في معنى المشاحن كل من كانت بينه وبين أحد خصومة لاسيما قطيعة الأرحام وهي أشدها, وقد جاء في الحديث "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء،
فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا" [رواه مسلم 6636], فبادر أخي بإصلاح ذات البين ولو رفضك الطرف الآخر, يقول ابن رسلان "..ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح.." فكن المصالح وأظفر بالمغفرة ولا تكن الآخر فتندم!!
◄ والغالب أن من أسرف على نفسه بالذنوب طوال العام ولم يتب منها, فإنه لن يوفق لمزيد عمل في رمضان, والواقع يشهد بذلك, فمن أراد التوفيق في رمضان فليبادر بالتوبة من الآن؛ فالذنوب تثقل العبد عن الطاعة وتصرفه عنها!!


♣استحباب الإكثار من الصيام فيه

* عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " [ متفق عليه].
◄والحكمة من صومه قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" [رواه النسائي 2356 وحسنه الألباني].
◄وهذا الصوم بمنزلة السنة القبلية للصلاة، ففيه تهيئة للنفس وتعويد لها على الصيام استعدادا لشهر الصيام.
◄تنبيه: ما ورد في بعض الأحاديث من ذكر أن النبي صلى عليه وسلم كان يصوم شعبان كاملا فهو محمول على أنه كان يصوم أغلبه كما جاء مصرحا في الرواية السابقة, والروايات يفسر بعضها بعضا.


♣النهي عن الصوم إذا انتصف الشهر إلا لمن كانت له عادة

*عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" [رواه الترمذي 738 وصححه الألباني].
ولعل الحكمة من هذا النهي لمن يرى صحة هذا الحديث هي كما نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي (3/159) عن صاحب المرقاة قوله:"...والنهي للتنزيه رحمة على الأمة أن يضعفوا عن حق القيام بصيام رمضان على وجه النشاط, وأما من صام شعبان كله فيتعود بالصوم ويزول عنه الكلفة ولذا قيّده بالانتصاف.."
◄فترك الصوم لمن لم يعتاده فيه تقوية له على صيام رمضان.


♣الحث على الإكثار من قراءة القرآن فيه♣

* ذكر ابن رجب الحنبلي  في كتابه لطائف المعراف (ص135) جملة من الآثار منها " قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء,
وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء,
وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.."
◄ والحكمة من ذلك كما قال ابن رجب " ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن .."

♣ تخصيص يوم أو ليلية النصف من شعبان بالعبادة♣

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (ص413): " فأما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزينة، هو من المواسم المحدثة المبتدعة، التي لا أصل لها.
وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف، من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة...فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد، وقدر من القراءة لم يشرع، مكروه. فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية  موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه...ولو سوغ  أن كل ليلة لها نوع فضل، تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها، لكان يفعل مثل هذه الصلاة -أو أزيد أو أنقص - ليلتي العيدين..!!"
قلت: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " [رواه مسلم 4514]
ونقل جمال الدين القاسمي في كتابه إصلاح المساجد (ص100) عن الحافظ أبو الخطاب ابن دحية قوله:"روى الناس الأغفال في صلاة ليلة النصف من شعبان أحاديث موضوعة وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة.."
وختامًا أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وأن يصلح قلوبنا وأن يوفقنا إلى طاعته وأن يبلغنا رمضان ويعيننا فيه على الصيام والقيام وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد والحمد لله ربي العالمين.

كتبه أخوكم / حمد بن دلموج السويدي غفر الله له

هناك تعليق واحد:

  1. جزاك الله خيرا على هذا المقال الطيب
    أوصي بالاستفادة منه فهو قيم جميل مختصر مفيد

    ردحذف